محاولة جمع المال من جانب والخوف من التصفية والخطف من الجماعات المسلحة من جانب آخر، دفعا أصحاب رؤوس الأموال الأجانب في الفترة السابقة إلى انتهاج أساليب مختلفة للعيش في البصرة. وبعد تحسن الوضع الأمني أخيراً، تحدث بعض هؤلاء التجار الى «الحياة» عن تجاربهم خلال الفترة السابقة. كانوا يعمدون غالباً الى التقليل من عدد زياراتهم خارج مطار البصرة الدولي، وإذا خرجوا يستقلون سيارات عراقية غير فخمة ويعتمدون مندوبين لشركتهم تكون بشراتهم أقرب إلى السمرة لتجنب معرفتهم عن بعد من العصابات. يقول ريتشارد أبكوس، وهو مدير شركة إنشاءات من الولاياتالمتحدة، في حديث إلى «الحياة»: «كنت أعتمد غالباً على رجال أعمال عراقيين خلال وجودي داخل مطار البصرة حيث يُبلغون الجهات الأخرى التي يجتمعون معها في المطار بأنني في أميركا فيما أنا موجود على بعد أمتار من مكان الاجتماع». ويضيف: «كنت أستغل دائماً الأوقات التي يحدث فيها تغيير للطاقم العسكري في المطار كي لا يكون حضوري واضحاً للعاملين فيه»، لافتاً الى أن «الوضع الآن بات مختلفاً، إذ بدأت أدير اجتماعاتي في العراق بنفسي مع وجود مترجمين عراقيين». ويوضح مدير شركة «إعمار العراق» الهولندية ريد روي ل «الحياة» أن «شركتي كانت سابقاً توفد إلى العراق وإلى البصرة خصوصاً أشخاصاً بشراتهم سمراء، كي لا يكونوا مميزين بمجرد النظر إليهم من جانب الجماعات المسلحة». ويقول: «كنا نوصي موفدنا إلى العراق بالتنقل بسيارات غير لافتة أو مغرية، وأن تكون عراقية إن أمكن ونستعين غالباً بسيارات الموظفين في الشركة من المهندسين العراقيين لقاء مبالغ ندفعها لهم لقاء استخدامها». ويوضح «أن مخاطر العمل في العراق تدفعنا الى مضاعفة المبلغ الذي نطلبه لإنجاز مشروع ما» . وتقول سكرتيرته أليشا موند (39 سنة): «وافقت الآن على القدوم إلى العراق بعدما تبين لي أن المخاطر قد زالت. أما في السابق، كنت أخشى ذلك كثيراً إذ كنت أقرأ وأسمع أن النساء في العراق يتعرضن إلى التصفية عند وضعهن الماكياج. فكيف بي وأنا إمرأة غربية؟». وتضيف ضاحكة: «لا أستطيع أن أخفي بعض المخاوف التي ما زالت تراودني في شكل لا إرادي، ما دعاني إلى شراء حجاب عراقي قد أستخدمه عند الذهاب إلى بعض المشاريع التي تقع في المناطق الشعبية جداً». وتزيد أن «الناس في البصرة طيبون، ولم أجد لديهم أي نبرة عدائية في قول أو فعل. وأيقنت أن ما كان يجري فيها هو فعلاً بأيدي أطراف خارجية أو بتمويل منها». إد جالبراي، وهو مسؤول التنسيق لشركات استثمار في الشرق الأوسط، يقول ل «الحياة»: «عشت أربع سنوات في إمارة دبي، وتعلمت جزءاً لا بأس به من اللغة العربية. ولكن في العراق لم أجرؤ على استخدام ما تعلمته كون نطقي مصحوب بلكنة أجنبية. وهذا طبعاً لا يسعفني في التمويه عن هويتي أمام الجماعات المسلحة. فكنت أعتمد على العراقيين في القيام بالأعمال الخاصة بالشركات التي أعمل لديها». ويضيف: «منذ ثلاثة أشهر، قدمت إلى العراق وأتجول في شكل مريح وبدأت أستخدم لهجتي العربية التي تعلمتها».