كم سمعنا تلك المقولة الشعبية التي تؤكد أنه: «ليس كل ما يلمع ذهباً». لأننا في بعض الأحيان ننخدع بلمعان أشياء، معتقدين أنها من النفائس، وعند الاقتراب منها يصدمنا زيفها ونتمنى لو اكتفينا بمشاهدتها من بعيد. ولكن برج العرب ذلك الصرح السياحي العريق يناقض تلك المقولة ليترك وهج الذهب وبريقه يلمعان في رحابه ليجعلا منه مسرحاً مفتوحاً للفخامة والأناقة اللامتناهية. نعم، إنه الذهب الخالص الذي لون بعض الجدران والأعمدة وارتاح على الحنفيات ومسكات الأبواب بكل هيبة ووقار. وحتى الآيباد الذي يقدم للنزلاء خلال فترة إقامتهم فهو مصنوع من الذهب عيار 24 قيراطاً، ونقش عليه شعار الفندق في شكل أنيق. ولأن برج العرب أخذ على عاتقه مهمة أن يقدم لرواده مفهوماً جديداً للراحة والرفاهية، فإن أولى خطوات ذلك المشوار السعيد ستبدأ عندما تأتيكم إلى مطار دبي الدولي سيارة رولز رويس بيضاء اللون مع سائق بملابس بيضاء وقبعة بيضاء أيضاً شبيهة بقبعات البحارة، ليأخذكم في عباب المدينة نحو فندق السبع نجوم. وعندما تسلك السيارة طريقاً خاصة متمادية فوق ثلاثة أقسام، اليابسة والشاطئ والبحر، ستعلمون أنكم على الطريق المؤدية إلى برج العرب. وقبيل الوصول إلى ظلال ذلك المبنى المشيد على شكل شراع، يستوقفك حاجز ليس للجيش ولكن لجهاز أمن الفندق حيث يُسأل السائق عن هوية الركاب للتأكد من حجزهم. وفور التدقيق بهوية القادمين، ينفتح العازل لتتوقف السيارة بعد أقل من دقيقة في باحة الفندق الخارجية. استقبال ملوكي شابات أنيقات بعباءات حيكت بالألوان البهية يرحبن بكم في بهو الفندق ويقدمن المناديل المعطرة وبعض الحلويات العربية التي يطيب تذوقها والنظر هائم في سحر المكان حيث يتشابك الديكور الجميل ويزهو على إيقاع نافورة ماء تتطاير مياهها إلى الأعلى. هنا في أحضان برج العرب سيشعر أي زائر وكأنه من أحد أفراد الأسر النبيلة. فلا داعي لتسجيل الوصول عند أحد موظفي الاستقبال في بهو الفندق الرئيسي، ولا داعي لحمل أي من الحقائب معكم. فكل شيء سيصلكم إلى جناحكم بغضون دقائق، وكبير الخدم أي «الباتلر» سيتولى مهمة تسجيل وصولك وأنت قابع في جناحك الفسيح. بدخولي جناحي الموزع على طابقين، سارعت إلى الوقوف وراء ذلك الشباك الزجاجي لأتأمل وأراقب عن كثب دبي الحديثة بأبراجها التي تعانق السحاب، ومبانيها التي تتسابق في ما بينها لإبراز مفاتنها. وكم أحاطت بي هالة من الفرح عندما ارتحت على أريكة فخمة لاحتساء كوب من القهوة، وهام نظري في الديكور المترف الذي أسرني بألوانه التي بالرغم من تباعدها فهي محبوكة مع بعضها البعض بطريقة ملفتة للنظر. شعور جميل ينتاب نزلاء برج العرب عندما يكونون في ضيافة أحد أفخم فنادق الأرض الذي يقف شامخاً منذ أكثر من 15 عاماً على جزيرة اصطناعية تبعد حوالى 280 متراً عن شاطئ جميرا الخلاب. برج الذهب ولأن الذهب دخل الفندق من بابه الواسع، فإن أحدث صالة (اللاونج) فيه حملت اسم الذهب في الطابق السابع والعشرين Gold on 27. هناك استقبلت المساء في دبي، في مكان استوحى اسمه من روعة اللون الذهبي ووهجه، وبدا ذلك جلياً على ديكوره الذي طغى عليه بريق الذهب الذي يلمع مع التأثيرات الضوئية المنتظمة لتضفي على جلساتكم شعوراً بالارتياح في ربوع تحفة فنية براقة مستوحاة من الكثبان الرملية الذهبية. يشتهر اللاونج بمجموعة من العصائر الاستنثائية من وحي البيئة المحلية. أما أنا فتذوقت عصير «غاف وماعز وجمل» الذي تم استلهامه من تراث الدولة العريق، ويجمع بين لبّ بذور شجرة الغاف ذات المذاق الحلو، ورغوة جبنة الماعز، وحليب الجمال في مزيج صحي غير مسبوق. لم أستكمل الليل في هذا المكان المغمور بوهج الذهب، فطاولتي كانت جاهزة في مطعم «المنتهى» في الطابق نفسه الذي وصلته عبر ممر نصف دائري مزخرف بقطع فضية اللون وبخلفية خضراء تتخللها مصابيح كهربائية صغيرة الحجم، تخال للوهلة الأولى وكأنك تتأمل إحدى القطع الإلكترونية. موسيقى هادئة، أجواء مظللة بالهدوء، وجوه باسمة استقبلتني في المطعم. وها هي مديرة المطعم ترشدني إلى طاولتي المتاخمة لإحدى نوافذه الممتدة من الأسقف حتى الأرضيات. في المطعم مبارزة واضحة بين المشاهد المذهلة لدبي وهي تتألق بالأنوار وقائمة الطعام السخية التي تمزج أفضل المكونات لكل طبق وبأسلوب بمنتهى الابتكار يجمع إلى جانب المذاق الشهي كل العناصر لتخلق تجربة طعام تبلغ قمة العالم. وتنقضي الليلة الأولى في دبي، وتشرق شمس نهار جديد لأجد نفسي على مقربة من مياه الخليج العربي في باحة مطعم باب اليم الخارجية. فلا شيء يوازي متعة تناول الإفطار في مكان يجمع بين روعة أطايب المطبخ الأوروبي ومذاق المأكولات الشرق أوسطية الشهية أعدت من عناصر طازجة وعضوية محلية. وكم لفت انتباهي وسط المطعم الذي يتزين بمطبخ حديث تتوهج النار من داخل فرنه حيث يستعرض الطهاة الحائزون على جوائز عالمية مهاراتهم الاحترافية في إعداد الطعام لحظة بلحظة حتى يصل إلى موائد الضيوف. محطتي الأخيرة في برج العرب أو برج الذهب كما أحببت أن أناديه كانت في منتجع «تاليس» سبا في الطابق الثامن عشر. إنه بالواقع الوجهة المطلقة للاسترخاء وتجديد الحيوية والنشاط، إذ يوفر هذا المنتجع الأخاذ الذي يغمره الضوء الطبيعي ملاذاً للضيوف للانغماس في قائمة شاملة من معالجات العناية بالجسد والبشرة. ويحتل «تاليس» سبا الفسيح طابقين كاملين ويتخلله صفاء وسكينة وفخامة تكفي لبث الهدوء في نمط الحياة الأكثر صخباً. السيارة التي أقلتني من المطار إلى الفندق كانت نفسها التي كنت على متنها إلى المطار، تسلك طرقات فسيحة محروسة بأشجار النخيل الباسقة الرافعة رأسها إلى الأعلى كما يرفع برج العرب شراع الفخامة الذي لا يبحر لأنه مترسخ في تلك الأرض ليقدم ضيافة منقطعة النظير.