كم ارتسمت علامات التعجب والدهشة على وجوه كل من علم أنني سأزور دبي للمرة الأولى. فمن لا يحمل جواز سفره ختم الدخول والخروج إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، لا يستطيع السفر إلى بلاد نجحت في بناء سمعة طيبة كواحدة من الوجهات السياحية الرائدة عالمياً. دعتني دبي إلى أحضانها منذ بضعة أيام، وكنت أترقب بلهفة لحظة الوصول إليها لأشاهد عن كثب ما رصدت العين من مشاهد رائعة لتلك الإمارة المزدهرة، ولأعيش متعة الإقامة في فندق «أتلانتس النخلة» Atlantis، The Palm تلك المعجزة العمرانية التي انبثقت من على رمال دبي كواحد من أفخم فنادق العالم على الإطلاق. اليوم الأول غالباً ما اعتدت على السفر من لندن إلى البلدان الأخرى، ولكن هذه المرة كانت من بيروت حيث حملتني طائرة الإمارات إلى ديارها. وكم أحسست أن المسافة بين بيروتودبي أصبحت قريبة عندما رحبت بي إحدى المضيفات وأرشدتني إلى مقعدي المتاخم للنافذة. إرشادات السلامة أولاً، ثم الإقلاع، ثم الطيران فوق مساحات شاسعة من الصحراء، عندها علمت أن لقاء دبي قد بات قريباً. بدأت أول معالم الإمارة بالبروز قبل دقائق قليلة من موعد الهبوط في مطار دبي الأنيق الذي شبهته بفندق من فئة الخمس نجوم أو ربما أكثر. هناك كانت بانتظاري عربة ليموزين لتقلني إلى فندق «أتلانتس النخلة». وبدأت العربة تسير وتخترق عمق المدينة، وكان نظري هائماً في تلك المنجزات العمرانية التي يطيب تأملها من وراء شباك السيارة المكيف! فإذا حاولت فتح الشباك لالتقاط هواء البلاد الدافئ، كانت النسمات الساخنة التي تلفح وجهي تردعني لإبقاء الشباك مقفلاً. وبعد رحلة دامت حوالى الساعة، وجدت نفسي على مشارف الفندق. أدخل جزيرة النخلة، فتبهرني مبانيها الأنيقة المترامية على جانبيها. فكل مجموعة فيها مستوحاة من بلد ما، ولكن يبقي الطابع العربي حاضراً بشكل بارز كي لا تفقد الإمارة هويتها التي تتباهى وتفتخر بها. ترجلت من السيارة، ودخلت بهواً طويلاً ، ثم صالة بمنتهى الفخامة والعظمة، قبل أن يرشدني موظف الاستقبال إلى صالة «المجلس الملكي» The Royal Majlis المخصصة لإجراء معاملات الإقامة لنزلاء الأجنحة الفخمة في الفندق. ما إن دخلت جناحي الفسيح، ووقفت بالقرب من واجهاته الزجاجية العريضة، حتى أطلت علي جزيرة النخلة بأناقتها الباهرة وهندستها الفريدة. فموقع الفندق عند قمة هلال جزيرة نخلة جميرا، يهب النزلاء فرصة الاستمتاع بالمناظر الأخاذة للجزيرة الاصطناعية التي تحتضن منتجعات سياحية وفنادق ومجمعات سكنية، ولا ننسى حدائق المياه المتطورة التابعة للفندق والمعروفة باسم «أكوافنتشر» Aquaventure، وإليها انطلقت لأخوض تجربة المغامرات المائية المتنوعة. وتضمن «أكوافنتشر» تجربة مشوقة غير مسبوقة في المنحدرات المائية السبعة، وفي الرحلة المذهلة التي تمتد مسافة 2.3 كيلومتر، ستجدون أمواجاً مدية، وحمامات سباحة، ومرتفعات مائية، ورشاشات المياه. تستخدم في الحديقة أكثر التقنيات المتقدمة عالمياً لضخ ما يزيد عن 750 ألف لتر من الماء في الدقيقة الواحدة، لإحداث أمواج حقيقة متدفقة يصل علوها إلى نحو مترين. ويمكن للزوار عبور الأمواج المتدفقة في كابينة داخلية خاصة متصلة بمصاعد مائية مبتكرة تنقلهم صعوداً على امتداد الأبراج، وهبوطاً على امتداد المنحدرات المائية. وراعى القيمون على تصميم الحديقة المائية أن يجعلوها ملاذاً للعائلات، فخصصوا العديد من المنحدرات والألعاب المائية المناسبة لكل الأعمار. إذا كان لديكم الشجاعة وحب المغامرة ندعوكم إلى القيام ب «قفزة الثقة» The Leap of Faith من أعلى قمة برج «زيغورات» الذي هو بارتفاع 27 متراً ونصف المتر، وبطول 61 متراً. فمن خلال أنبوبة شفافة، يندفع المغامرون باتجاه بحيرة ممتلئة بأسماك القرش ذات الفم المنحني، وأسماك القرش ذات الفم المستدق، والقرش الأبيض والأسود والرمادي. ومن عالم الألعاب المائية والمغامرات الشيقة انتقلت إلى عالم تحت الأرض. ففي «الغرف المفقودة «The Lost Chambers ستجدون أنفسكم في ردهات تحت الأرض لتعرض أمامكم مشاهد خلابة لآثار المدينة المفقودة في أعماق البحر منذ آلاف السنين، كما بالإمكان الاستمتاع بمشاهدة 65 ألفاً من الكائنات البحرية التي تسبح في أحواض الأسماك التي تلف ذلك المكان لتشعركم وكأنكم فعلاً في أعماق البحر. يعامل كل زائر لهذا المكان بطريقة مميزة، فقبل انتهاء الزيارة يتم تبخير الضيوف بأجود أصناف البخور، وتعطيرهم بالعبير المنعش. أنهيت يومي الأول في مطعم «نوبو» Nobu الذي يعد الأول في الشرق الأوسط للشيف العالمي «نوبو ماتسوهيسا»، وفيه دمج أسلوب المطبخ الياباني العصري بالنكهات من أميركا الشمالية لخلق تجربة فريدة ومميزة. اليوم الثاني على شرفة خارجية مسقوفة تطل على «حوض السباحة الملكي» والنخلة جميرا، استقبلت يومي الثاني في مطعم «كالايدوسكوب» Kaleidoscope لتناول طعام الإفطار. فيه تذوقت مأكولات البحر المتوسط، وبعض الأطباق من شمالي أفريقيا والهند، واستمتعت بأجوائه المرحة وخدماته المميزة، استعداداً للانطلاق إلى «خليج الدلافين» Dolphin Bay للقاء تلك الحيوانات الأليفة والتفاعل معها. بعد ذلك ارتديت لباس الغطس لبدء تجربة فريدة في بحيرة الدلافين تحت إشراف اختصاصيين. وبدأت المغامرة التي استمرت أكثر من ساعة، شاطرت فيها تلك الحيوانات سلسلة من سلوكياتهم المرحة التي خلقت علاقة حميمة بيني وبينهم. بعد رحلة ممتعة مع الدلافين، توجهت إلى مركز خليج الدلافين التعليمي الذي يضم عروض الفيديو، ومحطات تفاعلية، وألعاباً، وجهازاً صوتياً لسماع أصوات الدلافين والحيتان، بالإضافة إلى الاختصاصي الموجود دائماً للإجابة عن أيه أسئلة حول هذه الحيوانات الأليفة. وتمر الساعات هنا مسرعة، فالنشاطات التي يمكن القيام بها كثيرة ومتعددة، فالمساء عاد من جديد، والعشاء كان ينتظرني في مطعم «ليفانتين» Levantine المختص بتقديم المأكولات اللبنانية. أعجبت كثيراً بديكور المطعم الذي يمزج بين الطابع الشرق أوسطي، وبين الألوان والأشكال العربية المفعمة بالحياة. ومما يزيد من جمالية المكان برامجه الفنية. اليوم الثالث لم أرغب في ترك المنتجع من دون لقاء المدير التنفيذي للعمليات «سيرج زالوف» Serge Zaalof الذي قابلته في مكتبه المطل على حدائق «أتلانتس» الخضراء، وأخبرني أن ما يجعل من «أتلانتس» محطة سياحية مثالية للعائلات هو نشاطاته الترفيهية المتكاملة التي تجتمع جنباً إلى جنب. فهنا بإمكان جميع أفراد الأسرة عيش أجمل اللحظات عند زيارة خليج الدلافين، أو في حديقة المغامرات المائية الفريدة «أكوافنتشر»، كما أن المنتجع يحتضن نادياً للأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 3 إلى 12 سنة. وأضاف يقول إن جميع الضيوف يشعرون في رحاب «أتلانتيس» وكأنهم في بيتهم، ففضلاً عن الخدمات المترفة التي تقدم للجميع، هناك أسلوب التعامل الودي الذي يجيده جميع العاملين فيه. ولما سألته عن الرسالة التي يريد توجيهها إلى القراء العرب أجابني باختصار: «نحن ننتظرهم هنا». وأودّع سيرج لأزور مجموعة من الغرف والأجنحة التي يصل عددها إلى 1539، صمم كل منها مع شرفات خاصة لتوفر إطلالة خلابة على نخلة جميرة أو الخليج العربي. كل جناح فيه هو مثال في الروعة والإبداع، ويعكس عظمة المنتجع ورفاهية المكان، وبالأخص عند دخولكم «جناج الجسر» The Bridge Suite القابع في الأبراج الملكية الذي يحظى بموقع خلاب فوق القنطرة المميزة للمنتجع. مسك الختام في «أتلانتس النخلة» كان في سبا «شويكي» ShuiQi Spa حيث استمتعت بعلاجات «شيسايدو» من خلال جلسة تدليك استمرت أكثر من ساعة. كل شي في السبا يبعث على الاسترخاء والتحرر من ضغوطات الحياة اليومية، بدءاً من الديكور الداخلي حيث التناغم بارز بين الألوان والمفروشات والرائحة الذكية التي تنعش الأنفاس وتنقلكم إلى عالم خيالي. جلسة التدليك التي كانت مخصصة لأكثر من ساعة عكرها صوت المنبه في هاتفي النقال، فالجلسة كانت لا بد أن تنتهي مسرعة كي لا تفوتني الرحلة على متن طائرة الإمارات للعودة إلى بيروت.