دخلت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا منعطفاً جديداً وسط غموض تصورات الجانبين لطبيعة المرحلة المقبلة، فيما تصاعدت تحذيرات عدة للندن من محاولة اعتماد «الانتقائية» في علاقاتها المستقبلية مع الاتحاد، أو اللجوء إلى مناورات لكسب الوقت على حساب الاستقرار السياسي والاقتصادي في أوروبا. في الوقت ذاته، حذر الرئيس الأميركي باراك أوباما من «هستيريا» دولية بعد الاستفتاء في بريطانيا، داعياً في مقابلة مع الإذاعة العامة في أميركا، إلى عدم المبالغة في تقدير أبعاد هذا القرار الذي لن تكون له تداعيات «كارثية». وتعقد الدول ال27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قمة خاصة في بروكسيل ظهر اليوم، بمعزل من بريطانيا، وذلك لمناقشة اقتراحات توصلت إليها «الترويكا الجديدة» (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا) في برلين قبل يومين. وتتناول الاقتراحات تعميق التكامل وإيجاد حلول لقضايا تثير قلق الرأي العام وتدفع قطاعات منه في أحضان اليمين الشعبوي الذي أجمعت غالبية المشرعين الأوروبيين أمس على ضرورة عدم السماح له بتقويض الاتحاد ومنعه من التقاط المبادرة مجدداً، كما حصل في بريطانيا الأسبوع الماضي. ووفق الاقتراحات، تتمثل الأولويات الأوروبية في «تعزيز الأمن الداخلي وحماية الحدود الخارجية ومكافحة الإرهاب والتحكم في تيارات الهجرة وتعزيز قدرات الدفاع المشترك وتحفيز المشاريع والتكنولوجيا الرقمية وتشجيع الشباب، إضافة إلى تحصين منطقة اليورو. وستضع دول الاتحاد جداول زمنية لمناقشة التفاصيل بعد ترتيب الأولويات. وشهدت القمة الأوروبية في بروكسيل مساء أمس، أول مواجهة بين قادة الاتحاد ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون الذي شرح لهم حول مائدة العشاء نتائج الاستفتاء والتزامه احترام قرار غالبية الناخبين، مجدداً التأكيد على أنه يترك مهمة تقديم طلب الانسحاب من الاتحاد إلى خلفه الذي سيختاره حزب المحافظين الحاكم أوائل أيلول (سبتمبر) المقبل. وشدد القادة الأوروبيون في المقابل، على تقييد مرحلة عدم اليقين التي تجلت بتقلبات حادة في الأسواق. وحذر رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر رئيس الوزراء البريطاني من «عواقب» ذلك، وقال أمام البرلمان الأوروبي: «نريد من بريطانيا أن توضح موقفها، لا نطالب بتفعيل إجراء الانسحاب (المادة 50 من المعاهدة) غداً، ولكن لا يمكن الاستمرار في مرحلة عدم اليقين». ولفت يونكر إلى خطورة المرحلة، وقال: «لا نقبل لعبة القط والفأر» من الجانب البريطاني. وحظر رئيس المفوضية على كل المسؤولين فيها إجراء أي تفاوض مع لندن «من وراء ظهر الدول الأعضاء والرأي العام». وطالب البرلمان الأوروبي في جلسة استثنائية أمس، بوجوب تفعيل بريطانيا طلب الانسحاب من دون تأخير. وتحولت الجلسة إلى ساحة سجال حاد بين مجموعات الوسط والليبيراليين واليسار والنواب الخضر من جهة وممثلي الأحزاب القومية من جهة أخرى. وقال رئيس مجموعة حزب «الشعب» الأوروبي الوسطي مانفريد ويبر الذي يتزعم أكبر تكتل سياسي في البرلمان، أن نتائج استفتاء بريطانيا «نصر للشعبويين في أقصى اليمين واليسار». وتعرض زعيم حزب «الاستقلال» البريطاني (يوكيب) نايجل فاراج إلى انتقادات مباشرة واتهامات باستخدام وعود كاذبة في حملته الانتخابية. وقال ويبر مخاطباً فاراج: «عار عليكم أن تكذبوا على الناخبين». كما انتقد رئيس الحكومة البريطانية الذي «بنى حياته السياسية على خطابات التشكيك في مسار الاندماج الأوروبي». وأجمع زعماء الكتل الليبيرالية والاشتراكية و «الخضر» على كلام ويبر، فيما اختتم رئيس المفوضية الأوروبية الجلسة بتوجيه الانتقادات إلى الشعبويين الذين يتهددون المسار الأوروبي، وتوعد بعدم السماح لهم بتقويض الاتحاد.