تواجه الكويت تداعيات السجال السياسي وتحديات الإصلاح الإقتصادي والإجتماعي، في وقت يعاني فيه الإقتصاد الوطني من إختلالات هيكلية، في ظل تحذيرات متتالية من مخاطر الإستمرار في النهج الريعي. وكانت كرست فلسفة دولة الرفاه والرعاية على مدى نصف قرن ، التي أعطت الحق للمواطنين بالتمتع بالعمل في القطاع العام والحصول على منافع تقاعدية مجزية والخدمات التعليمية و الصحية والإسكانية، مما أدّى إلى إستحواذ نفقات الرواتب والدعم الإجتماعي على نحو 87 في المائة من الإيرادات النفطية، و75 في المائة من إجمالي النفقات في الموازنة العامة للدولة، للسنة المالية 2014-2015. وتضمنت الموازنة زيادة 761 مليون دينار في بند الرواتب ليبلغ 11.1 بليون دينار، وكذلك زيادة 891.5 مليوناً الى 5.1 بليون دينار في قيمة الدعم، بحيث يصبح مجموع البندين 16.2 بليون دينار. ويبلغ مجموع نفقات الموازنة 21.68 بليون دينار، وتراجع الإنفاق الرأسمالي بنحو 300 مليون دينار الى 2.9 بليون لعام 2014-2015، من 3.2 بليون دينار عام 2013-201. مع العلم أنّ موازنة العام الحالي تحمل عجزاً يزيد عن 1.6 بليون دينار، لكنه يرتفع الى نحو 6.5 بليون دينار، بعد إستقطاع إحتياطي الأجيال القادمة البالغة قيمته اكثر من خمسة بلايين دينار. حذر المجلس الأعلى للتخطيط في تقرير رسمي من مستقبل مرعب، مشيراً إلى أنّ الإنفلات المالي سينعكس حتماً على الإستقرار السياسي، مما يستوجب ضرورة تصحيح المسار، مؤكداَ على ضرورة مراجعة وترشيد أوجه الدعم ووقف الموافقات غير المبررة على الكوادر والإمتيازات المالية للعاملين. ويتولى المجلس الأعلى للتخطيط في الكويت الإشراف على إعداد الرؤية المستقبلية وتحديد الأهداف الإستراتيجية للدولة، ووضع إستراتيجيات وخطط التنمية، وبرامج عمل الحكومة. وطالب التقرير بتشكيل لجنة وزارية للبحث في معالجة الزيادة المطردة لتكاليف إنتاج النفط التي تضاعفت أربع مرات خلال سبع سنوات، مع الإشارة الى أن سعر برميل النفط، الذي يحقق نقطة التعادل بين الإيرادات والمصروفات، بلغ 49 دولاراً في السنة المالية 2007-2008، ولكن إرتفع إلى 102 دولار في موازنة السنة المالية 2014-2015، وهو قريب جداً من السعر السوقي الحالي للنفط. لا شك في أنّ النمو السكاني يمثل صعوبات للإدارات السياسية والإقتصادية في الكويت، ومثلها معظم دول الخليج، وتضاعف عدد سكان الكويت 25 مرة خلال فترة 64 سنة، وذلك منذ العام 1950، حتى أصبح حالياً يزيد عن 3.8 ملايين، منهم 1.3 مليون كويتي. ويتركز العمال الوافدون في القطاع الخاص حيث يبلغ عددهم مليوناً و159 ألفاً و987 شخصاً، أو 92.7 في المائة من إجمالي العمال الوافدين في القطاعين العام الخاص، ويمثل الذكور 91.8 في المائة من العمال الوافدين في القطاع الخاص، فيما لا تزيد نسبة الإناث عن 8.2 في المائة. ويتركز العمال الوافدون في وظائف الإنتاج والبيع والخدمات، بما يتناسب مع المستويات التعليمية والمهنية المتواضعة لهؤلاء العمال، إذ تصل نسبة هؤلاء إلى 75.4 في المائة من إجمالي العمال الوافدين في القطاع الخاص. وتشغل الدولة معظم المتدفقين إلى سوق العمل ، وتقدر أعدادهم ب 25 ألف مواطن سنوياً ، ولذلك إقترب عدد العاملين الكويتيين في مؤسسات القطاع العام من 400 ألف شخص . ويؤكد هذا الواقع إرتفاع نسبة العاملين الكويتيين في الحكومة من إجمالي قوة العمل الوطنية، وإستمرار إعتماد القطاع الخاص على العمال الوافدين. وتشير دراسات سوق العمل في البلاد إلى أنّ القطاع الخاص يعتمد على أيدٍ عاملة وافدة رخيصة ، كما أنّ المزايا المعتمدة خلال السنوات الماضية في شأن العاملين في المؤسسات التابعة للدولة أوجدت تفاوتاً كبيراً مع معدلات الأجور والمزايا التي يقدمها القطاع الخاص. ويتطلب الأمر خلال السنوات المقبلة إنجاز إصلاحات بنيوية في سوق العمل يرتقي بعملية التشغيل ويعزز الإستفادة من الطاقات البشرية الوطنية. المطلوب أن يقتنع السياسيون بنصائح الخبراء الإقتصاديين، وأن يتبنوا برامج للإصلاح تؤكد أهمية توعية المواطنين بضرورة وضع رؤية إصلاحية تعزز قيم التنمية المستدامة وتوظف الموارد على أسس عقلانية، ويؤمن طرح مفاهيم مناسبة، على أن تتبنى الحكومة توجهات تؤكد على تنفيذ ما يلزم لتعديل الواقع الإقتصادي.