كثيراً ما يبدأ بعضهم كلامه بعبارة: "اللهم لا شماتة"، ثم يبدأ بعدها فوراً فاصلاً من الشماتة! أي لا تكون الدعوة صادقة، إذ يفعل صاحبها عكس ما يدعو إليه، هكذا يبدو الأمر طبيعياً لهؤلاء الذين تتناقض أقوالهم مع أفعالهم ومواقفهم مع ما يدّعونه من فضائل. يبدو حال العرب عموماً وما يحدث في مصر الآن خصوصاً عاكساً لاستفحال هذه الحالة. وبعيداً من معاجم اللغة ومفردات الكلمات فإن المعنى البسيط للكلمة مفهوم وواضح، ولا يحتاج إلى شرح أو تفسير. والشمَّاتون هم الذين يفرحون لمصائب الآخرين أو كوارثهم، أما الآخرون فقد يكونون من الأعداء أو حتى الأصدقاء. المهم أن تنالهم مصيبة أو كارثة قدرية أو حتى لو كانت تصرفاتهم أفضت إلى نيلهم إياها، المهم أن الشماتة تعبر عن حالة سعادة أو فرح أو ارتياح لدى شخص بمجرد أن شخصاً آخر أو آخرين أصابهم مكروه، وبحجم ذلك المكروه يمكن قياس حالة السعادة لدى صاحبنا. وعادة ما يروج الشامتون لأنفسهم ويبذلون جهداً كبيراً ويسعون بمنتهى الجسارة والإصرار ليثبتوا للآخرين أن من شمتوا به أو بهم يستحق أو يستحقون ما جرى لهم، وأحياناً لا يكتفون بما جرى وإنما يريدون كما يقول المثل المصري "موت وخراب ديار"، فقط ليسعدوا بنشوة الانتصار حتى لو كانت المصيبة حلت بشخص أو أشخاص لا تربطهم بهم صلة مباشرة. مناسبة الكلام ثلاث وقائع يثار في شأنها الحديث في مصر الآن، الأولى تناول بعض وسائل الإعلام المصرية لوفاة المفكر المصري نصر حامد أبو زيد الأسبوع الماضي بعد معاناته مرضاً عضالاً، والثانية إقالة رئيس اتحاد كرة القدم السيد سمير زاهر، والأخيرة تتعلق بالقضية التي تنظرها محكمة الجنايات والمتهم فيها رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى بالتحريض على قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم. لا مجال لإعادة تكرار أحاديث الشماتة حتى لمن لم يتابعها، إذ يمكن توقعها ومعرفتها من دون قراءتها أو الاطلاع عليها. والمؤكد أن كل الأديان السماوية تحرّم الشماتة والرغبة في الانتقام والتنكيل حتى من العدو إذا ما خارت قواه وانتهى به الأمر إلى الهزيمة، فما بالك هنا وليست هناك حالة عداء أصلاً بين الطرفين، وتكفي الإشارة إلى الحديث الشريف الذي يقول: "لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك" كنموذج على تحريم الإسلام الشماتة. واللافت أن أكثر الذين شمتوا بوفاة أبو زيد وافتأتوا على حق الله وأكدوا أنه في النار هم من الإسلاميين الذين لا يتوقفون عن سرد آيات القرآن والأحاديث النبوية الشريفة. أما الشامتون بالسيد زاهر الذي كان حتى وقت قريب نجماً تخطى بسبب انتصارات مصر الكروية مجال الرياضة وتحول إلى جاذب للأضواء فغالبيتهم من منافسيه أو الذين استكثروا عليه منصبه أو نجاحه فيه. وأخيراً فإن الشامتين بهشام طلعت مصطفى فبينهم بعض رجال الأعمال أو الذين لم تكن لهم علاقات طيبة بالرجل قبل القبض عليه. ولا يعني ذلك أن أبو زيد أو زاهر أو مصطفى بلا خطايا، ولكن الأول صار بين يدي الله، والثاني فقد منصبه وما أحاطه من صخب وأضواء وأصدقاء، والثالث ينتظر حكم القضاء. فليس بين أي من الثلاثة ومن شمتوا بهم تاريخ من الحروب، فهم فقط طرحوا آراء أو مارسوا أعمالهم بطريقتهم الخاصة وإن كانت هناك اعتراضات على آرائهم أو مواقفهم فإن وفاة الأول وإقالة الثاني ومحاكمة الثالث لم تفد أبداً هؤلاء الشامتين بصورة مباشرة، وإنما عكست كيف تحولت القلوب الى حجارة وجفت الدماء في الشرايين وماتت ضمائر البعض. شخصياً تعرضت كغيري لأضرار جراء تصرف شخص أو أشخاص لكن العقاب إذا نزل عبر القدر أو القانون فإن الشماتة هنا لا تعني إلا قسوة لمن تجرد من إنسانيته فصار مخلوقاً لا يعرف الإنسانية ... والحمد لله على نعمة الإنسانية.