إنه رحيل مبكر لمخرج قال في فيلم روائي واحد يتيم ومن خلال لغة بصرية مدهشة، ما رغب كثر قي قوله سينمائياً من خلال أفلام كثيرة. كان هذا فيلم «اللجاة» الذي أخرجه من روحه قبل أن ينكفئ نحو روحه ووحدته وعزلته ويبتعد شيئاً فشيئاً عن العالم والسينما، إلى أن وافته المنية في غربته الباريسية التي اختارها منذ سنوات بعد صراع مرير مع سرطان الحنجرة. كان المخرج السوري رياض شيا (1954- 2016)، من مواليد السويداء في سوريا التي أنجز فيها وعنها فيلمه الروائي اليتيم، المقتبس عن رواية «معراج الموت» لممدوح عزّام. وهو الفيلم الذي عرض في الكثير من المهرجانات العربية والعالمية... وأُحتفي به في أكثر من مكان كأيقونة سينمائية بصرية خاصة. الصورة السينمائية كانت همّ رياض شيا وشغله السينمائي الخاص، حتى يكاد فيلمه «اللجاة» (من إنتاج المؤسسة العامة للسينما بدمشق - 1993- وحاز جائزة مهرجان دمشق السينمائي في دورته التاسعة)، لا يحوي سوى بعض الحوارات القصيرة، والمقتضبة والخاصة. لكن السينمائي الذي بدا واعداً بقوة منذ ذلك الفيلم، توقف بعده عن العمل السينمائي وانصرف إلى ذاته ومشاهداته وقراءاته، وذهبت أحلامه بإنجاز فيلم سينمائي ثان أدراج الحياة. تجري أحداث فيلم «اللجاة» في منطقة اللجاة ذات الطبيعة الصخرية البازلتية في الجنوب السوري حيث قساوة الأرض والطبيعة، تقابلها قساوة التقاليد والعادات والحياة في تلك المنطقة، عبر قصة حب تدور بين فتاة وأستاذ مدرسة، مقابل عم الفتاة الذي يحاول الوقوف إلى جانبهما، غير أن وقوفه هذا، لا يجنبهما قسوة العادات والتقاليد والموت. هذه القصة قد تبدو في عموميتها بسيطة ومكررة وعادية، لكنها مع رياض شيا تحولت إلى قصيدة شعرية سينمائية خاصة، وبخاصة أن المكان بغرابته وقسوته وبالتالي بشاعرية مدهشة طغت عليه، تحول في الفيلم إلى بطل رئيسي تماماً كما كانت حال لغة السكون والسكينة والجمود الأزلي التي بدت مسيطرة على الفيلم من أوله إلى آخره. ومن المؤكد أن «اللجاة» انطلاقاً من هذه العناصر المتضافرة بدا مغرداً خارج سرب السينما السورية التي كانت سائدة في تلك المرحلة، وبالتالي إذا كان هذا قد شكل نقاط القوة في فيلم استثنائي، فإنه شكل أيضاً نقطة الضعف بالنسبة إلى جمهور لم يكن قد تعوّد بعد على التفاعل مع سينما يمكن، بعد كل شيء تسميتها «سينما الأقاليم»، أي تلك السينما التي اعتادت ألا تتجاوز فيلموغرافيتها الفيلم الواحد... ورياض شيا الذي عرف منطقة السويداء التي ولد فيها العام 1954، درس في معهد السينما بموسكو، وأنجز خلال دراسته فيلماً تسجيلياً قصيراً يتأمل في مصير أحد المشاركين في الثورة السورية الكبرى.