مبتعثونا ومبتعثاتنا هم عتاد المستقبل، لن يفرط فيهم أحد، فكلنا مسؤولون عنهم، وليس المليك وحده! ولا ينبغي أن يقول أحد في موقع مسؤولية «أياً كان موقعه» أنه – أو جهته – غير مسؤولين عن توظيف وإيجاد عمل للعائدين والعائدات! فإذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب، فهم يحتاجون إلى التشجيع، لا تثبيط الهمم! خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، راعي الأمة، وصانع المستقبل، والمبادر بحوار الأديان، والحوار الوطني، جعل العلم في مقدم اهتماماته، لأنه المدخل الواسع والأداة الفاعلة في مسيرة التنمية، وقد ألقى بالمسؤولية على عاتق كل مبتعث ومبتعثة، إذ يتحتم عليهم السعي بعزم لا يعرف الكلل أو الملل لتحصيل العلم، فهم عتاد المستقبل الذي لا يقبل فيه بغير الصدارة لوطن أعطى أبناءه الكثير، وينتظر منهم ثمرة ذلك العطاء لرفعة شأنه بين الأمم. قال المليك مخاطباً المبتعثين والمبتعثات: «لا شك بأنكم تدركون أن الأمم لا تعلو إلا بسواعد أبنائها، ولا يساورني أدنى شك بأنكم تدركون ذلك، وأنكم خير من يمثل وطنه وأهله، وأسأل الله لكم التوفيق والسداد والنجاح في مسعاكم النبيل». فالجميع مسؤولون عن هؤلاء، كل بحسب اختصاصه، والمليك المفدَّى بذل الغالي والنفيس في سبيل إتاحة الفرصة لهم لاكتساب العلم والخبرة والمعرفة في تلك البلدان، والدور أصبح علينا نحن – كلٌ في موقع مسؤوليته – كي نتمم ونكمل ما بدأه المليك، يجب ألا نفوِّت الاستفادة من المبتعثين والمبتعثات بعد عودتهم، وهم يحملون شهاداتهم وخبراتهم وعلومهم، فلم يتم ابتعاثهم كي يعودوا ويضيعوا أوقاتهم وأعمارهم التي هي من عُمر الأمة، وهدر ما صُرف عليهم من أموال، والوقت الثمين الذي قضوه في ردهات الجامعات، لم يعودوا إلى الديار في انتظار المجهول، وكأنه تم ابتعاثهم بلا هدف، بل يجب أن يتسابق الجميع «شركات، ومؤسسات حكومية وأهلية، ومصانع، وجميع الأنشطة» للاستفادة منهم ومن خبراتهم، الواجب يقتضي – من الجميع – تذليل كل العقبات في سبيل إيجاد فرص العمل لهم جميعاً، وهذا ما أراده «المؤسس» وما يريده أبناؤه البررة، وعلينا كذلك تجنب التصريحات أو التلميحات بأن جهة ما غير مسؤولة عن إيجاد العمل لهم، لأن الجميع مسؤولون عنهم، خصوصاً في عصر «الحاسوب»، إذ يتم الربط الإلكترونى بين جميع أجهزة الدولة، مع مركز المعلومات والسجل المدني «الهوية الوطنية» للمواطن، ولا مجال للتنصل من المسؤولية، ولا يوجد أصلاً مبرر للتنصل، «فكلكم راعٍ، وكل راعٍ مسؤول عن رعيته»، والذي لا يجد لديه القدرة على الاستفادة من المبتعثين والمبتعثات بعد عودتهم، عليه الالتزام بالصمت «قل خيراً وإلا فاصمت»، وليدعَ الكلام للقادرين على التمام. يقول الطالب الياباني «أوساهير»، الذي بعثته حكومته للدراسة في ألمانيا: «لو أنني اتبعت نصائح أستاذي الذي أدرس عنده فى جامعة «هامبورغ»، لما وصلت إلى شيء! أرسلتني حكومتي لأدرس «علوم الميكانيكا»، وبدلاً من أن يأخذني الأساتذه إلى معامل ميكانيكية، أو مراكز تدريب عملية «ميدانية»، أخذوا يعطونني كتباً لأقرأها، إلا أني قرأت حتى عرفت نظريات الميكانيكا كلها، وفي ذات يوم قرأت عن معرض لمحركات إيطالية الصنع، ووجدت في المعرض محركاً قوة حصانين، ثمنه يعادل راتبي كله! فاشتريته وذهبت به إلى غرفتي، وقلت لنفسي: «هذا هو سر قوة أوروبا»، لو استطعت أن أصنع محركاً كهذا لغيّرت تاريخ اليابان! فقررت أن أفكِّكَه ثم أعيد تركيبه مرة أخرى! فبحثت على كتب تحتوي على رسوم خاصة بالمحركات، وأخذت ورقاً كثيراً، وأتيت بصندوق أدوات العمل (العدة) ومضيت أعمل! رسمت المحرك، ثم بعد أن رفعت الغطاء الذي يحمي أجزاءه، فكَكْتُه قطعة قطعة، وكلما فككت قطعة رسمتها على الورقة بدقة حتى انتهيت منها، وبعد ذلك أعدت تركيبها، وقمت بتشغيله، فاشتغل، استغرقت العملية ثلاثة أيام، فكنت لا آكل فى اليوم غير وجبة واحده، ولا أنام كفاية... وحملت النبأ إلى رئيس بعثتنا، فقال: حسناً فعلت، الآن لابد أن أختبرك، سآتيك بمحرك متعطل! وعليك أن تفكِّكَه، وتكتشف موضع الخلل، وتقوم بإصلاحه، واستغرقت العملية عشرة أيام، ووجدت ثلاث قطع بالية متآكلة، فصنعت غيرها بنفسى، وتم إصلاح المحرك، وبعد ذلك أمرني رئيس البعثة أن أصنع محركاً بنفسي! ما جعلني أضطر للالتحاق بمصنع لصهر الحديد والنحاس والألمنيوم، فكنت أطيع عامل صهر المعادن، وأقف صاغراً لما يقول! وقضيت في هذه الدراسات والتدريبات ثماني سنوات كنت أعمل خلالها ما بين عشر و15 ساعة يومياً! وعرف الحاكم الياباني «ميكادو» بأمره، فأرسل إليه من ماله الخاص مبلغاً كبيراً بالجنيه الإنكليزي ذهباً، فاشترى به أدوات محركات كامله وآلات، وعندما وصل إلى «نجازاكي» بعد البعثة، أراد «ميكادو»، الحاكم الياباني استقباله، فاعتذر «أوساهير»، قائلاً إنه لن يتشرف بمقابلته حتى يقيم المصنع باليابان! وبعد ذلك بتسع سنين، أنشأ المصنع المتكامل، وأخذ مع مساعديه عشرة محركات، محفور عليها «صُنع في اليابان» إلى قصر الحاكم، ودخل «الميكادو» وابتسم، وقال: هذه أعذب موسيقى أسمعها في حياتي! صوت محركات يابانية خالصة، وهكذا ملكنا «الموديل الياباني»، قال «أوساهير» وهو سر قوة الغرب. [email protected]