كتب عبدالعزيز قاسم في جريدة «الوطن» السعودية، الأحد الماضي، مقالاً بعنوان «المبتعثون... هل سيغيّرون أنماط التفكير وذهنية المجتمع»؟ حذّر فيه من خطرهم، وجزم بأن أوائل المبتعثين السعوديين تأثروا بأفكار هدامة «بل انخرط بعضهم في الملاهي والملذات البعيدة عن قيمنا الإسلامية، وهو ما حصل لمعظم الطلاب العرب من بدايات الابتعاث، فلم تفد الأمة منهم شيئاً». ولم يكتفِ الكاتب بتشويه صورة المبتعثين، ودورهم الرائد في تطوير مجتمعاتهم، وتجريد مشروع الابتعاث من فوائده الحضارية العظيمة، بل حرّض على المبتعثين على نحو خطير ومفزع. رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» طارق الحميد، رد أمس على قاسم بمقال بعنوان «السعودية... يريدون تكريس التخلف». وبدأ مقاله برواية مشهد يغني عن ألف كلمة. فهو وصف رجلاً سعودياً مسناً ووقوراً يجلس بجوار فتاة منقبة، خلال استقبال الطلاب الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مدينة تورنتو الكندية، جاء مرافقاً ابنته التي التحقت بمشروع الملك عبدالله للابتعاث. الحميد دعا قاسم الى المطالبة بإعداد «دراسات عن تأثير العائدين من أفغانستان، وغيرها من بؤر التطرف، على السعودية، وكيف تغلغل فكرهم في المجتمع، وخرج لنا هذا العدد من الإرهابيين الذين يزفون أنفسهم وغيرهم من الأبرياء إلى المهالك «، عوضاً عن تخويف البلد من الابتعاث، والتحريض على المشاريع الحضارية للدولة وإنجازاتها. لا شك في أن نتائج مشروع الابتعاث في السعودية، الذي بدأ منذ عهد الملك عبدالعزيز، مروراً بجميع أبنائه الملوك من بعده، حتى عهد الملك عبدالله الذي يشهد فيه الابتعاث نقلة كمية ونوعية، تستحق الثناء والتقدير، وتتناقض تماماً مع رؤية قاسم المسرفة في التشاؤم والتخوين وسوء النية. والمتأمل الرجال البارزين الذين يقودون مرافق الدولة اليوم، ويساهمون في استقرارها وتطورها، سيجد أن معظمهم استفاد من مشاريع الابتعاث المتوالية، بل ان معظم المسؤولين عن المؤسسات الدينية والأمنية والعسكرية، وضباط القوات المسلحة والأمن العام، هم أبرز من استفاد من هذا المشروع الحضاري، فضلاً عن ان تراجع الابتعاث خلال التسعينات من القرن العشرين، ساهم في تنامي التطرف، والتشدد، والانغلاق في المجتمع السعودي. ما يعني ان الابتعاث لم يحسّن الظروف الاقتصادية للأفراد والأسر، ويطوّر الأداء والإنتاج، بل ساهم بفاعلية - وهذا مهم - في تشكيل رؤية المجتمع لنفسه والعالم من حوله، وكرس قيم التسامح والانفتاح والتحضر. وإذا جاءت المناسبة للحديث عن إنجازات التنمية السعودية على مدى العقود الماضية، فإن مشروع الابتعاث يتصدرها.