تثير الملتقيات التي تقيمها بعض الأندية الأدبية، العديد من الاستفهامات، حول جدواها، ومدى خدمتها للمشهد الثقافي، بخاصة أن عدداً من المشاركين يكادون يكونون قاسماً مشتركاً في كل الملتقيات، إضافة إلى أن بعض هذه الملتقيات لا يكاد يختلف عن الآخر الذي ينظمها ناد في هذه المدينة أو تلك. ولعل ما أثير أخيراً حول عدم تسلم المشاركين في الملتقى الذي عقده نادي تبوك الأدبي مكافآتهم، مثالاً للإنفاق على أنشطة قد لا تعود بمردود إيجابي على النادي، عدا الإجهاز على الموازنة. إضافة إلى أن الموازنة التي تمنح للأندية الأدبية بالكاد تغطي نفقاتها. بالتأكيد هناك من يرحب بالملتقيات وبالأنشطة وكثافتها، لكن شريطة أن تكون مدروسة، وتلبي حاجة ما، أو تغطي مساحة فارغة، لكن أن تبقى المسألة خاضعة لمبدأ الغيرة بين الأندية، من دون أن يعني ذلك تنافساً على تقديم الأفضل، فهذا ما يجعل التساؤل مفتوحاً حول الجدوى من هذه الملتقيات. «الحياة» استطلعت آراء بعض المثقفين حول هذه الظاهرة المنتشرة. في البداية تساءل رئيس نادي جدة الأدبي الدكتور عبدالمحسن القحطاني: «هل وجود الملتقيات خير من عدمها؟ حتى لو كان ثمة تداخل بين الملتقيات، فأي نشاط في بلد مثل المملكة، لابد من أن تكون كل أروقته زاخرة بالأنشطة، وجود الأنشطة لا يضير وإنما علامة صحة وعافية. اعترف بأن مشكلتنا بأننا لا نفعل كما يحدث في بعض دول العالم بأن يتحمل المشارك في الملتقيات بعض نفقاته، إذ المدعوون يريدون أن يقيموا في أفخم الفنادق، ويعطوا مكافأة، وهذا الأمر باهض، ويستنزف الكثير من أموال إعانة الوزارة»، مطالباً ب «خفض هذه المصاريف، ويجب على كل من الأديب، والمفكر، والمثقف تقبل ذلك». وقال: «سنوياً يكلفنا ملتقانا ما يزيد على 200 ألف»، وزاد: «دائماً لدينا في المملكة النفقة أعلى من الثمرة» ليس على مستوى ملتقيات الأندية الأدبية وإنما يسري ذلك على بقية اجتماعات المؤسسات الأخرى، لماذا؟ لأنه يصرف بسخاء على المدعوين، لكن نحن لا نضع المادة في كفة والفكر في الكفة الأخرى، ولو فعلنا ذلك لقدمنا قدماً وأخرنا اثنتين». وحول ماذا أضافت تلك الملتقيات للمشهد الثقافي رجح القحطاني بأنها «عملت على تنشيط وتحريك الثقافة، لو لم تكن ثمة ملتقيات، أو مشاركين فيها، كم أستاذ جامعة لا يتجاوز نشاطه التدريس في الجامعة ويفتقر لأي تأثير خارج حرم الجامعة؟». وقال في ما يتعلق بقيمة البحوث: «الداعي لا يملك، وليس عليه أحياناً أن يكون راضياً تمام الرضا، إنما عليه، ألا يفشل الملتقى لأن البحوث حققت 60 أو 70 في المئة من المرجو منها فقط». وحول التكرار في طرح بعض المحاور في الملتقيات، أوضح أنه أن ذلك وارد: «فإذا كان لدي عشرة محاور، ولدي 16 نادياً، حتما سنجد ما يشبه التكرار، ونحن لا نبحث عن المظلة الكبرى، وإنما نبحث عن الجزئيات الصغيرة والتي تكمل المنظومة»، متسائلاً: «لما لا تكون في إقامة الملتقيات دعاية للأندية؟ أنا لا أزكي الأندية، ونادينا منها، من إقامة الملتقيات لهذا السبب»، لكنه استدرك بالقول: «لكن الفرق هو في كوننا هل نقيمه للدعاية أولا؟ وإنما لمحتواه، وثانياً ليدشن ويتحول إلى خبر يتناقل، إذ ثمة فرق بين أن تنجز عملاً تريد أن يعرفه الكثير، أو تنجز عملاً يموت في مهده، وفي ذلك تعريف به، وبحجمه، وبقيمته، وبسلبياته، والصمت حيال الملتقيات يعد صفعة لها». ويؤكد القحطاني أهمية تظافر جهود الأندية في إقامة ملتقيات مشتركة، مشيراً إلى أن «هذا مقترح مطروح، وإن كان لا ينفذ على مستوى الأندية، ينفذ على مستوى منطقة، مثل ما يحدث في المنطقة الغربية، يجتمع كل من نادي جدة ومكة والطائف. ومنطقة الشمال يجتمع كل من نادي حائل وسكاكا والقصيم والجوف»، مشدداً على أهمية «تظافر الجهود» ومطالباً الأندية بأن «تتناغم مع بعضها البعض، والبدء على الأقل من خلال جغرافية المكان، لأن جغرافية المكان والبيئة المشتركة تملي نوعية المثقفين، في المنطقة المشتركة الواحدة. نحن في المملكة صحيح لدينا ثقافة واحدة، لكننا أمام مرجعيات مختلفة، وثمة فرق بين المرجعية والثقافة». فيما قال الناطق الإعلامي لنادي الأحساء الأدبي الدكتور ظافر الشهري، بأنه « لا يمكن تحديد موازنة ملتقى جواثا حالياً قبل انعقاده»، وعزا السبب إلى أن « تحديد أمر كهذا يتوقف على عدد من يحضر من الضيوف خاصة، والبعض يعتذر في اللحظات الأخيرة، ولا يمكن تحديد النفقات بدقة قبل وصول فواتير الفنادق التي سيقيم فيها الضيوف». وحول إن كانوا تلقوا دعماً للملتقى، قال إن بعض رجال الأعمال وعدوهم بالدعم، بيد أننا لم نتسلم منهم شيئاً إلى حد الآن»، منوها بأن النادي «بشكل عام تلقى دعماً من اثنين فقط من رجال الأعمال، فيما بقي موقف بقية رجال الأعمال، في الأحساء سلبياً تجاه النادي»، مثمناً لوزارة الثقافة دعمها للملتقى العام الماضي، ب100 ألف، موضحاً أن «الوزارة لا تدعم الملتقى سوى بعد رفع فواتيره لها». وفي جانب آخر قال: «إذا أحجمت الأندية الأدبية عن إقامة ملتقيات، فهذا يعني بأنها فرطت في رسالتها؟ فنادي الإحساء مثلاً عندما يقيم ملتقى بعنوان «الإحساء في عيون الرحالة» فهو يستقرئ ما لدى الباحثين المتخصصين في مجال التاريخ عن تاريخ الأحساء القديم والحديث، من الذين كتبوا عنه من الرحالة المستشرقين، الرحالة العرب في العصور الوسطى والقديمة، والعصر الحديث». وأوضح الشهري أن «الأندية الأخرى التي سبقتنا في إقامة الملتقيات، مثل نادي جدة والقصيم، والرياض، الآن أصدروا موسوعات في الرواية، وقراءة النص والشعر، وهو مما يخدم الباحثين في الداخل والخارج وكذا الأدب السعودي»، نافياً أن يكون الغرض من إقامة الملتقيات الدعاية، «نادي الرياض الأدبي تخصص في النقد، والآن أقام ملتقاه الرابع. ونادي الباحة تخصص في الرواية. وجدة في الرواية وفي الشعر، وله مساهمات أخرى في قراءة النص. والعام السابق كان ملتقى جواثا عن جغرافية الأحساء، إذا كان النادي يعمل دعاية فمن طريق الأدب، وليس من خلال الإتيان بأشخاص ليسوا أدباء وإنما مثقفين، ومؤرخين، وجغرافيين، لنبش تاريخ الوطن. فعندما أوثق ل 30 باحثاً في تاريخ الأحساء من طريق كتاب سيصدر، كيف يكون دعاية؟». وقال: «تحت يدي الآن في النادي، معجم لشعراء الأحساء من حوالى 600 صفحة، ويؤصل لنحو 400 شاعر وشاعرة، من شعراء الأحساء، فهل هذا يعتبر دعاية للنادي؟ أم خدمة للمثقفين والأدباء، ومن صميم عمل النادي، والذي نحن على وشك التعاقد مع أحد المطابع لطباعته، وسنحاول أن يصدر قبل شهر شوال لنتمكن من توزيعه فيه، لافتا إلى أن المثقفين، «مهما عملت لن يرضوا». وأعرب المسرحي عبدالعزيز السماعيل عن اعتقاده بأن « قيمة البحوث المقدمة في الملتقيات تكمن في أهميتها، ومستواها الفكري وليس في قيمة مقابلها المادي أياً كان» مستطرداً أن « بعض البحوث تستحق أكثر مما يعطى مقابل لها»، وعزا السبب إلى«ما يبذل فيها من جهد ولما لها من تميز وأهمية. وفي المقابل لا ننكر أن بعضها أقل. وفي الأخير الجميع في حاجة إلى الدعم المادي، ولكن ليس بالضرورة أن يكون فوق طاقة الجهة أو المؤسسة التي تتبنى مثل ذلك». وتابع: «يمكن مواءمة قوة هذه الجهة المادية مع الملتقيات التي تنفذها بسهولة، ومن دون إيقاع حرج لأحد»، مشدداً على أهمية «عدم التقليل من أهمية دعم الأشخاص المشاركين في تلك الملتقيات، لأنها تتطلب منهم جهداً وحتى مصاريف مادية»، لافتاً إلى أهمية الملتقيات وأنه «لا يمكن قياسها بطريقة آلية لمعرفة ذلك، إذ أنها تسهم من دون شك في دعم الثقافة المحلية وتطويرها حتى وان كنا لا نستشعر ذلك أحياناً». واعتبر السليمان الاعتماد على صيغة البحث والتقصى، «الطريقة المثلى للعمل الجاد والمنظم، فيما الارتجال والكتابة السطحية لن يضيفا شيئاً ولن تحقق التراكم المعرفي المطلوب مع مرور الوقت». وختم بالقول إن «الأندية الأدبية ليس لها بد من البحث عن موارد مالية، من خارج موازنة الوزارة إذا ما أرادت العمل في شكل جاد ومستمر. فموازنة الوزارة لا تكفي أبداً للتشغيل والصيانة، إضافة إلى المكافآت. الخلل في النهاية، ليس في وجود الملتقيات واستمرارها إنما في ضعف موازنة الأندية الأدبية».