تسلم الشاب محمد الصحبي أول مهمات عمله في «ركن البيرق للاتصالات»، بعد إتمام دورته التدريبية في صيانة الهواتف والتعامل مع الأعطال، التي امتدت لأشهر عدة في المعهد التقني بمدينته. وعلى رغم أنه كسر حاجز الخجل لمواجهة الزبائن بصعوبة، إلا أنه لمس انطباعاً إيجابياً منهم، وتعاملاً سلساً تجاه أدائه المتباطئ في دهاليز المهنة والإلمام بها جيداً. المحل المجاور ضمن المجمع التجاري الضخم أصبح مغلقاً منذ شهر، تحسباً للحملات التفتيشية التي تنفذها تشكيلة من الجهات الرسمية، تنفيذاً للقرار الصادر مسبقاً بتوطين قطاع الاتصالات ومحال الجوال. لكن ملاك المراكز التجارية المتخصصة في صيانة الهواتف يشتكون من ضعف الموجود من العمالة السعودية الماهرة لتغطية حجم الحاجة لديهم، وفي مقابل محلات الجوال الطاغية في كل مدينة داخل السعودية تكاد العمالة الوطنية تكون مفقودة تماماً، أو تأهيلها لا يشجع على خوض المغامرة، مما يضطرهم إلى إغلاق المحال، وربما الانسحاب تماماً من هذا القطاع بعد سنوات طويلة من الاستثمار المربح. وقاد قرار وزارة العمل والتنمية الاجتماعية القاضي بسعودة قطاع الاتصالات إلى جملة من الآثار، منها هبوط إيجارات بعض محال الجوالات بنسبة كبيرة، بسبب انسحاب عدد مقدر من المستثمرين لتجنب تنفيذ خطة السعودة. وكان ما يفوق عن 34 ألف مواطن ومواطنة خضعوا خلال الأشهر الماضية للتدريب في تخصصات صيانة الجوال ومهارات المبيعات وخدمة العملاء، بدعم من صندوق تنمية الموارد البشرية، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، بحسب المتحدث الرسمي لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية خالد أباالخيل. وبدأت أربع وزارات مع مطلع رمضان تطبيق قرار قصر العمل في مهنتي بيع وصيانة الجوالات وملحقاتها على السعوديين والسعوديات، كمرحلة أولى بتوطين 50 في المئة للمهنتين تستمر لمدة ثلاثة أشهر، لتشمل جميع المنشآت والمحال في المملكة، على أن تبدأ المرحلة الثانية في ذي الحجة بتوطين يصل إلى 100 في المئة. وتأتي الحملات التفتيشية للتحقق من التطبيق وامتثال القائمين على تلك المحال للتعليمات التي تنص على توطين قطاع الاتصالات، إذ ينص النظام على أنه يتم أولاً توجيه إنذار للمحل غير الملتزم، ومن ثم يغرم المحل، ويكون مقدار الغرامة 20 ألف ريال، وإذا استمر عدم التزامه بالنظام للمرة الثالثة يتم إقفال المحل بالتعاون مع البلدية. وأكدت الوزارة عدم التهاون في إيقاع العقوبات على مخالفي القرار الوزاري، موضحة أن الجهات الشريكة، إضافة إلى دعم وزارة الداخلية، ستطبق عقوباتها كل على حدة مع بدء أعمال الفرق التفتيشية والأمنية في جميع مدن ومحافظات المملكة. ومن انعكاسات القرار تضرر بعض المستثمرين في القطاع، وهو ما يتضح من شكوى المستثمر على الغانمي من استمرار إغلاق محله، بعد أن عجز عن إيجاد مواطن مؤهل مستعد للعمل فيه، مما اضطره لإعلان تقبيل المحل، وربما يبدأ في توزيع البضاعة المتكومة على الراغبين في شرائها. وعلى رغم تشجيعه للقرار الذي يلمس فيه مصلحة حقيقية للمواطن، وإثراءً لقدراته الاقتصادية، إلا أنه يرى أن الواقع لا يساعد على التفاؤل، والحصول على نتائج إيجابية مقنعة لهذه الخطوة. بدوره، يجزم المواطن سلطان السيد، الذي يملك محلاً لبيع هواتف الجوال وصيانتها منذ سنوات ويعمل فيه جزئياً خلال المساء بعد الانتهاء من دوامه الرسمي، بأنه يفكر الآن في الاستغناء عن مشروعه التجاري، لأنه لم يعد مربحاً بما يكفي، معتبراً أن الشروط أصبحت تثقل كاهله. وفي المشهد العام للسوق، بدأت أعداد من العمالة اليمنية، ممن أصبحوا عاطلين عن العمل بفعل القرار، البحث عن مصدر رزق آخر، مبينين أن القرار ألقى بظلاله القاتمة على ظروفهم المعيشية، وكذا الحال بالنسبة لبعض العمالة الهندية ممن التقتهم «الحياة»، الذين أصبحوا يفكرون جدياً في مغادرة البلاد بعد خسارتهم المورد الأساسي منذ سنوات، وانتقاله إلى أيدي المواطنين ضمن حملة تخوضها السعودية لتصحيح الأوضاع الاقتصادية القائمة. هناك ما يمكن أن يوصف بوجود قلق من عمليات التحايل أو برود الحماسة الحكومية تجاه الخطوة، وهو الداء العضال الذي يبطل مفعول كل الاستراتيجيات الحكومية التي تعلن وتذهب ريحها عند التنفيذ، وقلق آخر تحفزه التجارب السابقة غير الناجحة لتوطين قطاع الذهب أو بيع الخضراوات، إذ لم تحقق النجاح المتوقع. ويتوقع مراقبون أن يكون للخطوة أثر في ضعف السوق، وتعزيز مركز الشركات الكبرى التي تمارس هذا النشاط، وضعف قدرة المواطن الفرد على المنافسة، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تقليص المنافسة وسيتضرر المستهلك النهائي، الذي يدفع فاتورة ضعف المنافسة، ولكن أملاً يحدوهم أن المسألة ستكون أكثر جدية وفاعلية في ظل تقلص فرص الوفرة والرفاه القديم.