[فمن كان في نظم القريض مفاخراً / ففخريَ طراً بالعلا والفضائل ... ولست بآبائي الأباة مفاخراً / ولست بمن يبكي لأجل المنازل ... فإن أكُ في نيل المعالي مقصّراً / فلا رجعت باسمي حداة القوافل] توفي الاحد في بيروت المرجع الشيعي العلامة السيد محمد حسين فضل الله عن 75 سنة اثر اصابته بنزيف داخلي. وقال مسؤول في مكتبه "لقد توفي السيد فضل الله". واصيب فضل الله خلال الاشهر الاخيرة بأزمات صحية ادخلته المستشفى. وكان أدخل مستشفى "بهمن" في الضاحية الجنوبية لبيروت قبل اسبوع في مراجعة عادية. الا انه اصيب فجر الجمعة بنزيف داخلي حاد تسبب بوفاته اليوم الاحد. وأغلقت الطرق المؤدية الى المستشفى والى جامع الحسنين المجاور، حيث بدأ افراد عائلته ومساعدوه يتقبلون التعازي. * نبذة عن الفقيد هو السيد محمّد حسين عبد الرؤوف فضل الله. ولد العلامة السيد فضل الله في النجف تشرين الثاني/نوفمبر 1935 (19 شعبان 1354ه) في العراق، حيث كان والده قد هاجر إلى النجف لتلقّي العلوم الدينية فيها، وأمضى مع أسرته أوقات طويلة في الدرس والتدريس، ضمن الحاضرة العلمية الأبرز في العالم آنذاك. ترعرع السيد فضل الله في أحضان الحوزة العلمية الكبرى في النجف وبدأ دراسته للعلوم الدينية في سنّ مبكرة جداً. ففي التاسعة من عمره، بدأ بالدراسة على والده، وتدرّج حتى انخرط في دروس الخارج في سنّ السادسة عشرة. فحضر على كبار أساتذة الحوزة آنذاك، أمثال: السيد أبو القاسم الخوئي والسيد محسن الحكيم. أثر عن سماحته أنه كان من الأوائل البارزين في جلسات المذاكرة، حتى برز من بين أقرانه فتوجّهت إليه شرائح مختلفة من طلاب العلم في النجف آنذاك، وبدأ عطاءه العلمي أستاذاً للفقه والأصول. شهد كل أقرانه له بالمكانة العلمية وافتقدته الساحة العراقية عندما عاد إلى لبنان في 1966، وهذا ما عبّر عنه السيد محمد باقر الصدر حين قال: "كل من خرج من النجف خسر النجف إلاّ السيد فضل الله، فعندما خرج من النجف خسره النجف". اهتمّ السيد فضل الله بالنشاط الثقافي، فانتُخب عضواً في المجمع الثقافي لمنتدى النشر، وشارك في الحفلات الأدبية، وكان على اطلاع على الثقافة العصرية، فكان يقرأ المقالات التي يكتبها الأدباء والمفكّرون في المجلات المصرية واللبنانية التي كانت تصل إلى النجف آنذاك. ويذكر العلامة السيد فضل الله تلك المرحل قائلاً: "كنت أعيش في تلك المرحلة من عمري، ولعلها في سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، الالتزام الإسلامي في مواجهة التيارات الأخرى التي بدأت تدخل العراق، ومنها التيار الشيوعي، وتيار القومية العربية. وكنا نتناقش آنذاك مع بعض الذين هم في سننا أو أكبر، على أساس هل إن الإسلام هو الأفضل، أم القومية العربية أم الماركسية..، حتى إنني عندما جئت إلى لبنان، وكنت في سن السادسة عشرة والنصف من عمري، سنة 1952، وهي أول زيارة لي إلى لبنان، بدأت العمل على مستوى التحدي في منطقة بنت جبيل مع الشيوعيين والقوميين العرب، فكانت جلسات واسعة مفتوحة، وكنت أتحرك فيها بمناقشات حادة حسب الجو الثقافي الذي كنت أملكه آنذاك". جاءت عودته إلى لبنان في 1966 إثر دعوة وجّهها إليه مجموعة من الأشخاص الذين أسسوا جمعية "أسرة التآخي" التي تهتم بالعمل الثقافي الإسلامي الملتزم. فأسس حوزة "المعهد الشرعي الإسلامي"، وشكّل بذلك نقطة البداية لكثير من طلاب العلوم الدينية وشرع بإلقاء "دروس الخارج" في الفقه والأصول على طلاّب العلم، وأصدر عدداً من الأبحاث ومئات أشرطة التسجيل الصوتي في الأبواب الفقهية والأصولية المتنوعة. رعى السيد فضل الله نشوء عدد من الجمعيات والمؤسسات ودعمها معنوياً وفكرياً، وتدارس كثير من الشباب اللبناني على فكره ومحاضراته. وأسس لهم حوزة علمية في منطقة النبعة. ولم يكن يقاطع دعوة توجه إليه. تعرّض السيد فضل الله لمحاولات اغتيال عدة إحداها بقذيفة مدفع أصابت غرفة نومه، حيث كان يسكن في منطقة الغبيري (في الضاحية الجنوبية لبيروت)، إضافةً إلى محاولات اغتيال أخرى جرت على الطريق التي كان يسلكها في منطقة الشياح، وأخرى على الطريق التي كان يسلكها إلى خطبة يوم الجمعة في بئر العبد. لم تنل تلك المحاولات من عزيمة السيد، وكان لسان حاله دائماً "إنني قد نذرت نفسي للإسلام ولا عودة إلى الوراء حتى لو أدى ذلك إلى استشهادي...". عرف فضل الله بممارسة متميّزة للمرجعيّة، ابتعدت عن التقاليد المتعارف عليها، حيث كان يلتقي بالناس قدر ما تسمح به ظروفه، ويستقبل الصحافيين ويخوض في القضايا السياسية من موقعه الفقهي والفكري. وآمن أن المرجع مسؤول أمام المجتمع، وأنّه يحقّ للمجتمع أن ينتقده، رافضاً كل أشكالِ التقديس لشخص المرجع. ولذا رأى أن على المرجع أن يجيب المجتمع عن تساؤلاته حتى في قضاياه الشخصية في ما يتصل بموقعه، لأنّه بموقعه لا يعود يملك نفسه، وعليه أن يقدّم حساباته للأمّة، أسّس السيد فضل الله جمعيّة المبرات الخيرية التي شيّدت صرحها الأول للأيتام تحت اسم "مبرّة الإمام الخوئي"، ثمّ ضاعفت الجمعيّة جهودها في مجال رعاية الأيتام فأسّست جمعيّة المبرات وتوزّعت على مناطق عدة من لبنان. كما اسس "معهد الهادي للإعاقة السمعيّة والبصرية". كانت تجربته الشعرية الأولى في العاشرة من عمره قائلاً: "إنني أتحسس في هذه التجربة أن هناك شيئاً من الوعي للحياة في الانفتاح على المستقبل، فأنا أستذكر أنني كنت أشعر بالمستقبل يناديني بأن أعيش الفضائل... بأن أسمو في درجات العلا... بأن أعيش معزّزاً... كما تمثّل هذه الأبيات: فمن كان في نظمِ القريضِ مفاخراً / ففخريَ طُراً بالعُلا والفضائِلِ ولست بآبائي الأباة مُفاخراً / ولست بمن يبكي لأجلِ المنازلِ فإن أكُ في نيلِ المعالي مقصّراً / فلا رجّعت باسمي حُداةُ القوافلِbr / سأنهج نهج الصالحين وأرتدي / رداء العلا السامي بشتى الوسائلِ وأجهد نفسي أن أعيش مُعزّزاً / وليس طلاَبُ العزِّ سهلَ التناولِ ___________ * مقابلات سابقة من أرشيف "دار الحياة"، أدلى بها السيد العلامة فضل الله إلى "الحياة"، ومجلة "الوسط" ومجلة "لها". 1. فضل الله ل «الوسط» : سنخرب السلام المفروض اذا استطعنا 2. فضل الله ل«الحياة»: معارضتنا منع الحجاب « وقائية »... والحلول الشرعية متوافرة 3. فضل الله ل مجلة " لها": الدين لا يلزم ولكنه يشجع المرأة على المشاركة في أعباء الحياة المادية للأسرة