جوكورجا (تركيا) - رويترز - يدوي صوت طائرات هليكوبتر حربية فوق الأودية على الحدود التركية العراقية وهي تبحث عن مقاتلين من المتمردين الأكراد في سفوح الجبال. وتواجه العربات العسكرية، التي تنقل الجنود الى نقاط التفتيش والمواقع الحدودية على الطرق الملتوية، خطر القنابل التي تزرع على الطرق أو الأكمنة. وأحياناً تمضي القوات التركية الى مدى أبعد بشن هجمات جوية ضد قواعد المقاتلين الأكراد في شمال العراق أو بإصدار أوامر للجنود بعبور الحدود لمطاردة وحدات المقاتلين التي تشن غارات. وقصفت طائرات حربية مواقع للمتمردين الأكراد في الجبال ليلة الخميس. وبعد مرور عام على إعلان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن اتفاق جديد بين الدولة والأقلية الكردية تبددت الآمال في إنهاء صراع تركيا الممتد منذ عقود نتيجة تزايد أعمال العنف في جنوب شرقي البلاد الذي يغلب الأكراد على سكانه. وتعودت العائلات في بلدة جوكورجا الحدودية المتربة على الاستيقاظ كل ليلة على دوي قذائف المورتر والمدفعية في التلال والجبال المحيطة حيث يتبادل الجنود والمقاتلون الأكراد النيران. وقال رجل في الثلاثينات من العمر، لم يرغب في الكشف عن اسمه خشية إثارة غضب أي من الجانبين، «لم يتوقع الناس أن يأتي السلام في الحال... وعليه فاننا تعودنا على العنف مرة أخرى». وكثف حزب العمال الكردستاني في الأسابيع الأخيرة الهجمات على الجيش بعد أن أنهى هدنة دامت 14 شهراً في حزيران (يونيو). ولقي أكثر من 80 جندياً حتفهم هذا العام وهو عدد أكبر من عدد الجنود الذين قتلوا في عام 2009 بأكمله. وتحمل أمهات ثكلى صور رجال وجوههم كالأطفال يرتدون زياً عسكرياً بينما تعطي القنوات الإخبارية إحساساً بالحداد الوطني في تغطيتها للصلوات على جثامين الجنود القتلى. وتعرض مسؤولون حكوميون للهجوم أثناء تشييع الجنود القتلى حيث لوّحت الحشود بعلم تركيا ورددت شعارات قومية. وراهن حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه أردوغان، في العام الماضي على تعزيز الحقوق الكردية أملاً في أن ينهي هذا «الانفتاح الديموقراطي» حرباً عمرها 26 عاماً حصدت حوالى 40 ألفاً من الأرواح. والان تقول الحكومة التي تتعرض الى ضغوط كي ترد على هجمات حزب العمال الكردستاني المتصاعدة إن المتمردين «سيغرقون في دمائهم» وتم نشر آلاف من القوات الخاصة على طول الحدود. وتلقى العمليات العسكرية ضد المتمردين دعماً من تبادل المعلومات مع السلطات العراقية والأميركية على رغم احتجاجات العراق أحياناً على انتهاك القوات التركية لسيادته. وقد يعرقل العنف محاولة أردوغان تشكيل حكومة من حزب واحد لفترة ثالثة على التوالي بعد الانتخابات العامة التي لم يتبق على موعدها سوى 12 شهراً أو أقل. وسعى اردوغان الى تخفيف المظالم التي يعاني منها الأكراد، فألغى في العام الماضي بعض القيود على الحقوق الثقافية والسياسية للأكراد وعدل عن بعض السياسات التي وضعت بعد انقلاب عسكري في الثمانينات والتي لم تؤد إلا الى تعزيز الدعم لحزب العمال الكردستاني. وفي حين أن الإصلاحات مطلوبة لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي إلا أن من غير المرجح أن تقدم الحكومة مزيداً من التنازلات مع اقتراب الانتخابات بعدما لاحظت رد الفعل القومي القوي. وأثارت صور أعضاء بحزب العمال الكردستاني وهم يلقون استقبال الأبطال عند عودتهم الى تركيا بموجب خطة للعفو استياء الرأي العام في غرب تركيا الأكثر ثراء حيث لا يبالي كثير من الناس بالأعباء في جنوب شرقي البلاد الفقير. وقال عارف كوباران رئيس اتحاد التجارة والأعمال في بلدة هكاري القريبة: «حل المشكلة الكردية يقتضي أن تكون شجاعاً وهذه الحكومة لم تكن شجاعة بما يكفي». وأضاف: «الحكومة وعدت الأكراد بأشياء كثيرة لكن في النهاية كانت كلمات فحسب. أردوغان يخشى أن يخسر الناخبين ومن ثم فان العملية لم تنطلق قط». ويقول الأكراد انه بينما تتحدث الحكومة في أنقرة عن إصلاحات فان قوات الأمن في جنوب شرقي البلاد تتخذ إجراءات صارمة في شكل منهجي ضد السياسيين الأكراد وتحتجز المئات ومن بينهم رؤساء بلديات للاشتباه في أن لهم صلات بحزب العمال الكردستاني. وما زال المدعون يفرضون عقوبات بالسجن لفترات طويلة ضد صحافيين أكراد وأطفال يرشقون بالحجارة خلال احتجاجات على رغم وعود بتخفيف القوانين القاسية المناهضة للإرهاب التي انتقدتها جماعات دولية مدافعة عن حقوق الإنسان. وقال فاضل بدرهان أوغلو رئيس بلدية هكاري والعضو بحزب السلام والديموقراطية الكردي: «لا تزال هناك عقلية عسكرية في الدولة التركية». وأضاف أن المطالب الكردية بعيدة عن الانفصال ومعقولة وتشتمل على إصلاح الدستور للاعتراف بالهوية الكردية في تركيا والسماح للمدارس العامة بالتدريس باللغة الكردية. وأشار الى مقاومة التغيير من جانب «الدولة العميقة» في إشارة الى تحالف لأصحاب المصالح يضم الجيش وسياسيون والقضاة.