يبدو الأمر لغير المتابع كأنه «هجوم سلام» إسرائيلي على الفلسطينيين، فلسان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو لا يحمل سوى جملة واحدة يرددها على مسامع كل من يلتقيه، خلاصتها أنه يريد لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس «وفي المفاوضات المباشرة نبحث كل شيء». لكن الحقيقية التي يعرفها الفلسطينيون والأميركيون هي أن نتانياهو يريد أن يتجنب البحث في اقتراحات مكتوبة للحل النهائي قدمها عباس عبر الوسيط الأميركي، وتنص على إقامة دولة فلسطينية على أراضي عام 1967، مع تبادل بنسبة 2.3 في المئة يضمن لإسرائيل حل مشكلة المستوطنات. ويبدو المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل الأكثر معاناة، بعد الفلسطينيين، من «هجوم السلام» الإسرائيلي هذا، إذ إن نتانياهو يتمترس خلف مطلب المفاوضات المباشرة، رافضاً مناقشة ما يحمله له من مقترحات فلسطينية، بذريعة أن الأمر يتطلب التفاوض على التفاصيل مع أصحاب الشأن الفلسطينيين مباشرة، وليس عبر وسيط، ما يضطر ميتشل إلى مواصلة القدوم إلى المنطقة من دون تسجيل أي اختراق أو إنجاز. وقال مسؤول فلسطيني إن ميتشل الذي قام بعشرين زيارة للأراضي الفلسطينية وإسرائيل حتى الآن منذ تعيينه مبعوثاً للرئيس الأميركي لعملية السلام، «لم يسمع من نتانياهو سوى بضع جمل مثل: أريد ان ألتقي عباس، أريد أن أناقش ذلك مع عباس، لا يمكن أن نبحث في مقترحات على هذا القدر من الأهمية من دون أن نجلس إلى طاولة مفاوضات واحدة». وفي كل مرة يأتي ميتشل إلى المقاطعة (مقر الرئاسة) في رام الله، يستهل حديثة مع الرئيس عباس وفريقة بالقول: «لا جديد. لا تقدم مع نتانياهو. إنه يصر على عدم البحث في أي شيء خارج المفاوضات المباشرة». وبحسب مسؤولين فلسطينيين، فإن عباس بدأ المفاوضات غير المباشرة بتقديم أفكار مكتوبة لميتشل الذي حملها بدوره إلى نتانياهو. وتركز هذه الأفكار على ملفي الحدود والأمن اللذين اتفق الجانبان على بحثهما أولاً، لأن أي اتفاق على الحدود سيشمل معظم قضايا الوضع النهائي مثل القدس والمياه والمستوطنات. وبحسب مصادر مطلعة، فإن اقتراحات عباس المكتوبة تضمنت إقامة دولة فلسطينية على مساحة تساوي مئة في المئة من الضفة الغربية، وإجراء تبادل بنسبة 2.3 في المئة. وقال مسؤولون إن اقتراحات الرئيس عباس التي قدمها عبر ميتشل بُنيت على أساس المفاوضات السابقة الرسمية وغير الرسمية، خصوصاً كامب ديفيد ومفاوضات طابا عام 2000 ووثيقة جنيف التفصيلية التي صدرت العام الماضي. وتتيح هذه النسبة من الأراضي لإسرائيل ضم الكتل الاستيطانية الرئيسة مثل «عتصيون» و «غبعات زئيف» وبعض المستوطنات مثل «مودعين عيليت» وغيرها، إضافة إلى شريط من الأرض مقابل لمطار «بن غوريون». ويحصل الفلسطينيون مقابل تلك الأراضي على شريط يحاذي منطقة الخليل بالمساحة نفسها التي تحصل عليها إسرائيل. وتضمنت الاقتراحات انسحاب إسرائيل من القدسالشرقية، بما فيها البلدة القديمة، باستثناء الحي اليهودي وحائط المبكى، على أن تظل البلدة مفتوحة لأبناء مختلف الأديان، إضافة إلى إقامة معبر آمن يربط الضفة الغربية وقطاع غزة. وتضمن ملف الأمن التزام الجانبين باتفاق على منع أي عنف متبادل والامتناع عن أي سياسات من شأنها تغذية التطرف وإيجاد بيئة مؤاتية للعنف، وتشكيل لجنة ثلاثية تحت إشراف أميركي لضمان ذلك، كما يشمل نشر قوات دولية من حلف شمال الأطلسي على الحدود والمعابر لضمان تطبيق الاتفاق الأمني. وبدأت المفاوضات غير المباشرة في ايار (مايو) الماضي وتنتهي في أيلول (سبتمبر) المقبل. ورجح مسؤولون فلسطينيون ألا تسفر هذه المفاوضات عن أي تقدم بسبب «مراوغة» نتانياهو، ورفضه التفاوض بجدية عبر الوسيط الأميركي. ولفتوا إلى أن عباس يدرك أن نتانياهو غير راغب في إنجاز اتفاق تاريخي بين الجانبين، لكنه يحاول جر الفلسطينيين إلى مفاوضات لا نهائية تضمن له وقف الضغط الدولي، خصوصاً الأميركي والإيحاء للعالم بوجود عملية سلام فيما تستمر مشاريع التوسع الاسيتطاني المتواصلة بلا توقف في حسم الصراع على الأرض بصورة عملية. وبحسب هؤلاء المسؤولين، فإن عباس يراهن على دور أميركي أكثر فاعلية في المفاوضات مثل أن يقدم الرئيس باراك أوباما خطة للسلام، ويطلب من الجانبين التفاوض عليها، ويفرضها على الطرف الذي يرفض. وكان عباس ربط العودة إلى المفاوضات بوقف الاستيطان بصورة كاملة، بما في ذلك ما يسمى النمو الطبيعي. وبعد تعرضه لضغوط أميركية، وافق على إجراء مفاوضات غير مباشرة عبر ميتشل لمدة أربعة أشهر يصار بعدها إما إلى وقف المفاوضات، في حال مواصلة الاستيطان وعدم حدوث تقدم، أو الانتقال إلى المفاوضات المباشرة في حال حدوث تقدم.