يأتي الصيف بلهيبه كعادته، ويفرّ منّا من يفر باحثاً عن الجو البارد والخضرة والماء، والبعض يزيد «الوجه الحسن»، وكثيرون هم الذين يتجهون إلى وجهة واحدة لا يحيدون عنها مقدار شبر، وليس عندهم استعداد أصلاً لمجرد التفكير في التغيير، فصيف سنة 1980 كصيف سنة 2009 سواء بسواء، مثلاً بمثل، فهل حقق هؤلاء متعة السفر؟ هل عاشوا حقيقة السياحة؟ إن القضية الكبرى في السفر هي الخروج عن المألوف، والثورة على «الروتين»، أمّا أن تتحول الإجازة إلى حلقة من مسلسل متكرر، فهذا ما لا يوافق عليه الفلاسفة والمفكرون، الذين يحرصون في كلّ سنة على زيارة بلد جديد، ومشاهدة نمط مختلف، وعادات مختلفة، وطبيعة مختلفة... عند ذلك يمكن أن يقول السائح إنه أضاف إضافة جديدة، وإلا فما الفائدة في أن يذرع (السائح) العربي شارع جامعة الدول سنوياً ذهاباً وإياباً؟ ما الفائدة في أن يحتسي القهوة في كل مقهى وفي كل زاوية وعلى كل طاولة في الشانزيليزيه كل سنة؟ أي فائدة تعود عليه في تكرار الرحلة إلى السوليدير؟ إن السائح العربي يعرف بلودان أكثر من السوري، ويعرف (شارع الهرم) مع الأسف أكثر من المصري، وأجزم أنه طاف بالشانزيليزيه أكثر من الفرنسي! مفهوم السياحة يحتاج في كثير من أعرافنا إلى مراجعة جادة وهادفة، تتفق مع قيمنا وثوابتنا، وتتماشى مع مفهوم التعلم بالمرح، والتعلم بالاستجمام، لا مجرد التقليد لأجل التقليد فحسب، أو السفر من أجل السفر وحسب. ومع ذلك، أقترح أن نكافئ تركيا التي كانت لها وقفة جادة وصارمة لا سيما مع قافلة الحرية أن نكافئ هذا البلد بالسياحة إليه، فهو أولى بدراهمنا ودنانيرنا من كثير من دول الشرق والغرب. * * * يفصل بيننا وبين رمضان خمسون يوماً أو تزيد قليلاً، ستمرّ مرّ السحاب، وستنقضي كأسرع مما نتصور. ترى، ما الذي تغير في حياتنا استعداداً لموسم كهذا، قد ندركه وقد لا؟ ببساطة، لا أطلب من نفسي ولا من القراء الكرام أكثر من البدء بقراءة القرآن الكريم القراءة التفسيرية المتأنية، والاصطلاح مع القرآن قراءةً وتدبراً وفهماً ومحاولةً للتطبيق. إنني أطلب من نفسي والقراء الكرام محاولة الاعتياد على صيام النوافل، ومحاولة القيام والبذل استعداداً للموسم الكبير والموسم العظيم. إننا نريد من نفوسنا التي تعودت الكسل، وتمردت على الدعة والراحة، نريد منها مع إعلان رؤية الهلال هكذا وبضغطة زِر شأن كلّ شيء في عصر السرعة أن تتحول إلى نفس طلحة الفياض، وعثمان القوّام، وعائشة الصوامة، وهذا ما تأباه السنن الكونية، ولعلّ هذا ما يفسِّر انحسار الصفوف بعد العشر الأولى، وضعف الهمم وتراجع الإيمانيات... ببساطة السنن الكونية تقول: «ما يأتي سريعاً يذهب سريعاً»، اللهم لا تجعلنا منهم. * * * حين أرى انشغال الناس بالمونديال، هذا الحدث الكوني الذي يستثير اهتمام الشرائح المختلفة والأطياف والأجناس، يخالجني حلم أن يتفتق الذهن البشري عن ظاهرة ثقافية تأخذ بألباب الناس تماماً كما تفعل المستديرة بالعقول والقلوب. انشغال بالكتاب، بالثقافة، بالعلم والأدب، بالمعمل والقلم... الخ. هل سيأتي هذا اليوم؟