وقّع عازف العود التونسي إحسان العريبي ألبومه الأول «ريحانة» في شارع الحبيب بورقيبة تزامناً مع انطلاق تظاهرة «تونس الشاعرة» التي تنظّمها وزارة الثقافة التونسية. وقدّم العريبي للمرة الأولى أمام الجمهور مجموعة من أعماله التي تضمّنها الألبوم الذي سجل كل مقطوعاته في تونس، فيما تمّت عملية طباعة الأقراص والإصدار في باريس. وجاءت فكرة «ريحانة» من منطلق إيمان العازف التونسي بأنّ الموسيقيّ يجب أن يوثّق موسيقاه ويحفظها بأشكال متطوّرة ويقول: «فكرة الألبوم كانت تراودني من سنوات لأننّي أؤمن بأن الموسيقي لا بد أن يوثّق لموسيقاه ويقدمها للجمهور، وكل أثر موسيقي هو بمثابة بطاقة الهويّة لأي فنان ففكرت بألبوم «ريحانة»، وهو الأول في مسيرتي». وعلى رغم أنّ مسيرته انطلقت منذ أن كان طالباً في المعهد العالي للموسيقى بتونس حيث نال شهادة في العلوم الموسيقية وديبلوم العزف على آلة العود، وعلاقته الكبيرة بالراحل زين الصافي الذي شاركه في أحد أهمّ عروضه صيف 2007، فهو لا يرى أنه تأخر في إصدار ألبومه الأول. ويوضح أن هناك عوامل حالت دون ذلك، قائلاً: «أعتقد أن الوضع السياسي الجديد في تونس كان له تأثير كبير في هذا التأخير، فضلاً عن عدم وجود ساحة فنية مهيكلة ومنظمة. ومن ثمّ هناك شعور سائد لدى غالبية المنتجين الموسيقيين بعدم أهمية الثقافة والفن». ولفت إلى أنّ «ما أقدم عليه لا يُعدُّ مغامرة بقدر ما هو اِقتناع وإيمان بما أقدّمه»، فهاجسه «موسيقي بالأساس وليس تجارياً». عنوان الألبوم فيه إحالة مباشرة على رواية الأديب التونسي الكبير محمود المسعدي «حدّث أبو هريرة قال»، وهي شخصية محورية في الرواية وكانت سبباً لتحوّل البطل من شخصية كلاسيكية جامدة إلى شخصية مندفعة لا تلتزم الضوابط الدينية والاجتماعية. وهنا يبدو أن العازف التونسي مُقبِل على الحياة على رغم كل ما يشوبها من آلام ومآسٍ ومتاعب، والموسيقى هي «ريحانته» التي تقوده نحو تحقيق الحلم ودليله نحو فكّ شيفرة العالم الملوّث بأدران السياسة ونفاق البشر. ولا يخفي إحسان تأثره بالرواية، ويشير إلى أنّ الفنون متصلة أحدها بالآخر. ويضيف أن مقطوعة «أسوار المدينة» تتحدث عن المدن العتيقة وعن عشقه الكبير لها، «ففي المدن العتيقة تشعر باِحتضان التاريخ والحضارة وتشعر بقوة خفية تدفع بك إلى الأمام، وهنا لا فصل بين الفنان والجغرافيا، ففي ثنايا المدينة العتيقة تونس كما أراها وأحسها». «ريحانة» لم يخلُ من مفاجآت، فعزف فيه العريبي أغنيتين للفنان البلجيكي الشهير جاك بريل، هما «لا تتركني للغياب» و»فقراء إلاّ من حبّنا». وهي المرة الأولى التي يتمّ فيها تقديم أعمال هذا الفنّان بآلة العود، وهنا يقول إحسان: «نعم هما أغنيتان باللغة الفرنسية، إلا أني أردت أن تصبحا مقطوعتين موسيقيتين بقراءة عربية، وكان لآلة العود دور مهمّ في تعريب هذه الموسيقى، وفتح مجالات فنية أخرى لهذه الآلة. وإضافتي تكمن في طريقة العزف أي الأسلوب والإحساس». ويضيف أنّ المهمّ ليس كونه أول من عزف جاك بريل على بالعود، ولكنّ «المهم أن تكون القراءات مختلفة وتثري المشهد الموسيقي». وحول اِختياره للموسيقى الوترية في زمن تكاد تكون أغلب الأعمال الموسيقية مستنسخة ومكرّرة، يقول العريبي: «أعتقد أن هذه الموسيقى هي أعمق تأثيراً في الوجدان من حيث الفكر والخيال، إلا أنها لا تحظى بأهمية في الحضارة العربية. وأعتقد أيضاً أنّ الفنان هو الذي يرتقي بالذوق فيقدم ما هو مقتنع به وليس ما يرضي الجمهور فقط، وهي مسؤولية مُلقاة بالدرجة الأولى على عاتق الفنان. هناك من يسقط في فخ التجارة والنجومية الزائفة، والبعض الآخر تنطبق عليهم مقولة: فاقد الشيء لا يعطيه».