يواصل مسؤولو الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة والرسميون الألمان وصندوق النقد الدولي، التحذير من انسحاب بريطانيا من البيت الأوروبي، وما يمكن أن يُنتج من تداعيات مالية واقتصادية وسياسية على الجميع، وعلى البريطانيين في الدرجة الأولى. وفي هذا الإطار طرح خبراء ومراقبون في ألمانيا، ثلاثة سيناريوات للبديل الذي يمكن أن تختاره لندن بأقل الخسائر الممكنة في حال خروجها من الاتحاد. ولفت الرئيس الأميركي باراك أوباما النظر خلال زيارته الأخيرة لكل من بريطانياوألمانيا، إلى أن لندن حليفة بلاده الأولى في العالم، «ستخسر من نفوذها في العالم إذا انسحبت من الاتحاد الأوروبي»، كاشفاً عن «احتمال انتظارها عقداً من الزمن قبل التوصل إلى توقيع اتفاق ثنائي للتجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة». وإذ حرص أوباما على تقديم دعم علني إلى المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، واصفاً إياها ب «حارسة أوروبا»، نبّه في السياق ذاته إلى أن لندن «ربما تنتظر خمس أو عشر سنين قبل التوصل إلى اتفاق تجارة حرة مع واشنطن»، في حال اختارت الانسحاب من الاتحاد خلال استفتاء مرتقب في 23 من الشهر الجاري. وقال «لن تتمكن بريطانيا من التفاوض على أي شيء مع الولاياتالمتحدة في شكل أسرع من الاتحاد الأوروبي». وكانت مركل بحثت قبل ذلك في برلين مع رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون خلال جولة أوروبية قام بها أخيراً لعرض موقف حكومته، مسألة طلبه تعديل بعض المعاهدات الأوروبية لإقناع البريطانيين بالبقاء داخل الاتحاد الأوروبي. وأبلغت ضيفها أنها «على استعداد لتعديل بعض النصوص وتغييرها على رغم صعوبة الأمر»، لكن أوضحت له أيضاً أن «ثمة خطوط حمراً لا يمكن تجاوزها مثل حرية التنقل داخل دول الاتحاد» على حد ما ذكرت له، مضيفة «أن ثمة ضرورة لإيجاد ميزان عادل في ما يتعلق بالتقديمات الاجتماعية للعمال الأجانب» في بريطانياوألمانيا وغيرهما. وفي وقت أملت مركل «في تصويت البريطانيين بصورة واضحة لمصلحة بقاء بلدهم داخل الاتحاد»، أعرب كاميرون عن اقتناعه الشخصي «بإمكان الحفاظ على المصالح البريطانية على أفضل وجه داخل الاتحاد، لكن يتوجب الأخذ في الاعتبار قلق البريطانيين ومطلب تغيير معاهدات الاتحاد». ولم يستبعد كاميرون تصويت البريطانيين على الخروج، لذا حض ألمانيا والدول الأخرى «على إظهار مرونة أكبر في هذا الشأن». إلى ذلك، أيدت مركل طرح نائبها وزير الاقتصاد والطاقة زيغمار غابرييل فكرة «أوروبا مع سرعات متعددة»، مشيرة إلى تواجد درجات مختلفة من التعاون داخل الاتحاد الأوروبي اليوم، مثل منطقة اليورو التي تضم 19 دولة فقط، و»معاهدة شنغن» التي لا تتشارك فيها كل دول الاتحاد. وشددت على «الحفاظ على إبقاء طريق الاندماج في الاتحاد مفتوحاً، إذ لا أحد يريد إقصاء أحد». ورأت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الأوروبية في بيان، أن خروج بريطانيا «سيؤثر مالياً في شكل سلبي فيها وفي دول الاتحاد». وانتقدت أيضاً مؤيدي الانسحاب في بريطانيا. وحذر صندوق النقد الدولي «من الانعكاسات الاقتصادية لخروج بريطانيا»، معتبراً أنه «سيشكل ضربة موجعة للاقتصاد العالمي». لا أحد يعرف بالطبع حجم الانعكاسات الفعلية على الأرض في حال خروجها، لكن ثمة سيناريوات وتوقعات اقتصادية رسمها خبراء ومراقبون يمكن تلخيصها، بما يأتي: السيناريو الأول وهو الأفضل، يطرح إمكان إيجاد الاتحاد الأوروبي وبريطانيا حلاً مشتركاً يخفف قدر الإمكان من الخسائر في كل من الطرفين كما حصل مع النروج على سبيل المثال، كأن تقبل بريطانيا بعد الخروج الانضمام إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية «ايه فيه إر»، وهي سوق بينية لا تغير اتفاقات تجارية كثيرة داخل الاتحاد. وينطبق السيناريو الثاني حالياً على سويسرا التي وقّعت مع الاتحاد اتفاق تجارة حرة يسمح لها بدخول السوق البينية الأوروبية، لكن سيكون على بريطانيا انتظار سنوات لوضع اتفاق مماثل لما وقعته سويسرا مع دول الاتحاد، والقبول كذلك بعدد من الحمايات الجمركية. لكن السيناريو الثالث يمكن أن يكون الأخطر، سواء كان عدم التفاهم بين الطرفين بعد خروج بريطانيا سيؤدي إلى الامتناع عن عقد اتفاق تجارة حرة مع لندن، ووقف دخول بضائعها إلى السوق الأوروبية المشتركة، والعكس بالعكس أيضاً إلا بعد دفع ضرائب عالية على الحدود. ويعتقد المراقبون بأن الخاسر الأكبر ستكون بريطانيا التي تحتاج عملياً إلى السوق الأوروبية الواسعة لبيع إنتاجها فيها، أكثر من حاجة الأوروبيين إلى سوقها. وثمة مَن يؤكد أن في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيتحرك الإسكتلنديون مجدداً وهم المؤيدون بغالبيتهم للبقاء فيها للاستقلال عن الاتحاد البريطاني والانتساب إلى أوروبا. من هنا يرى مراقبون كثر أن السيناريو الرابع الأسهل والأقل كلفة للجميع، هو تصويت غالبية البريطانيين لمصلحة البقاء داخل البيت الأوروبي، وطي هذا الملف مرة واحدة وإلى الأبد.