شن تنظيم «داعش» أمس هجوماً عنيفاً على مدينة مارع التي تتحصن فيها فصائل سورية معارضة في ريف حلب الشمالي، وسط معلومات عن خسارته قرابة 160 قتيلاً خلال الهجوم على هذه المدينة الاستراتيجية، وفي قصف جوي استهدف مواقعه قرب الحدود السورية - التركية. كما أفيد بأن ما لا يقل عن 45 عنصراً من التنظيم بينهم قيادي فرنسي قُتلوا في مواجهات مع «قوات سورية الديموقراطية» التي تحاول منذ أيام طرد «داعش» من ريف الرقة الشمالي بغطاء جوي من طائرات التحالف الدولي وبمساعدة من جنود في القوات الخاصة الأميركية. ونقلت «رويترز» عن وسائل إعلام تركية السبت أن مصادر عسكرية تركية أكدت مقتل 104 من عناصر «داعش» في ضربات جوية شنتها تركيا والتحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة رداً على قصف استهدف إقليم كلس الحدودي التركي. وذكرت صحيفة «صباح» الموالية للحكومة أن خمسة أشخاص أصيبوا الجمعة عندما أطلقت صواريخ من منطقة خاضعة لسيطرة «داعش» في شمال سورية على إقليم كلس. وأصابت صواريخ من مناطق «داعش» كلس أكثر من 70 مرة منذ كانون الثاني (يناير)، ما أسفر عن مقتل 21 شخصاً بينهم أطفال. وقال مسؤولون أمنيون أن ذلك يحدث نتيجة حوادث عرضية عبر الحدود وأيضاً نتيجة الاستهداف المتعمد. في غضون ذلك، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان وناشط ميداني بأن اشتباكات عنيفة دارت السبت بين الفصائل المقاتلة و «داعش» في مدينة مارع، ثاني أبرز معاقل الفصائل المعارضة في محافظة حلب، بعد تمكن «داعش» من قطع آخر طريق إمداد إلى المدينة أول من أمس. وأشار مدير المرصد رامي عبدالرحمن لوكالة «فرانس برس» إلى «اشتباكات عنيفة» تدور بين الفصائل المقاتلة و «داعش» في شمال مدينة مارع وشرقها، في ريف حلب. وكان «داعش» شن فجر الجمعة هجوماً مفاجئاً في ريف حلب الشمالي، وتمكن من السيطرة على خمس قرى كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة، ما أتاح له قطع طريق الإمداد الوحيدة التي تربط مارع بمدينة أعزاز، أكبر المعاقل المتبقية للفصائل في محافظة حلب. وذكرت شبكة «الدرر الشامية» المعارضة أن «ثوار مارع تصدوا فجر السبت لأعنف هجوم يقوم به تنظيم الدولة على المدينة عقب التقدم الذي أحرزه (أول من) أمس على قريتَيْ كفركلبين وكلجبرين وقطع طريق الإمداد عن المدينة». ونقلت عن مصدر عسكري «أن التنظيم حاول اقتحام المدينة من ثلاثة محاور (هي) تلالين - وأسنبل - وتل مالد، مستخدماً السيارات المفخخة، حيث دارت معارك عنيفة أفضت إلى تدمير المفخخات وصدّ الهجوم وقتل عشرات» من المهاجمين. وتابعت أن التنظيم تكبّد «فاتورة باهظة الثمن» في الهجوم تمثّلت في مقتل 60 من عناصره «خلال ساعات» من بدء الهجوم، مشيرة إلى أن عشرات الجثث جُمعت في الساحة العامة لمارع في حين تمكن التنظيم من سحب جثث عشرات آخرين من عناصره إلى أطراف قريتي أسنبل وتل مالد. ونقلت «الدرر» عن أحد المقاتلين ويدعى «أبو منير» أن خسائر «داعش» ضخمة وأن «ثوار مارع أثبتوا قدرتهم على حماية المدنيين داخل المدينة»، مشيراً إلى أن الفصائل في مدينة أعزاز «تتجهز لشن حملة عسكرية على قريتي كلجبرين وكفركلبين» اللتين سقطتا الجمعة في أيدي «داعش». أما الناشط المعارض مدير وكالة «شهبا برس» المحلية للأنباء مأمون الخطيب المتحدر من مارع والموجود في أعزاز، فقال ل «فرانس برس» أن «داعش» هاجم مارع «من محاور عدة وتحديداً من الشرق والشمال، مستخدماً الدبابات ومفخختين». وتوجد في مارع، وفق الخطيب، فصائل مقاتلة وإسلامية تضم غالبيتها الساحقة مقاتلين من أبناء المدينة التي كان عدد سكانها يبلغ خمسين ألف شخص قبل نزوحهم تدريجياً. ووفق الخطيب لا يزال حوالى 15 ألف مدني معظمهم من النساء والأطفال محاصرين داخل المدينة بعد الهجوم الأخير ل «داعش». وبعد ساعات على هجوم التنظيم، أبدت منظمات حقوقية وإنسانية مخاوفها إزاء مصير عشرات الآلاف من النازحين الموجودين في منطقة أعزاز قرب الحدود التركية المقفلة. وأعربت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في جنيف السبت، عن «قلقها البالغ إزاء محنة حوالى 165 ألف نازح، تفيد تقارير بوجودهم قرب مدينة أعزاز»، وقالت أنهم «يواجهون صعوبات للحصول على الخدمات الطبية وتأمين الغذاء والماء والسلامة». وأشارت في بيان إلى أنها «نبّهت السلطات التركية على الفور إلى التطورات في شمال سورية»، داعية إلى «حماية الحقوق الأساسية والسلامة الجسدية» لهؤلاء النازحين. وتقفل تركيا حدودها أمام الفارين من المعارك شمال مدينة حلب منذ أشهر على رغم مناشدة المنظمات الحقوقية والدولية أنقرة فتح حدودها، ما أدى إلى تجمع عشرات الآلاف في مخيمات عشوائية في منطقة أعزاز وسط ظروف معيشية صعبة. وفي محافظة الرقة، أبرز معاقل «داعش» في سورية، تواصل طائرات التحالف الدولي بقيادة أميركية قصف مواقع التنظيم شمال مدينة الرقة، دعماً لهجوم بدأته «قوات سورية الديموقراطية» الثلثاء. وقال المرصد في تقرير أن «معارك متفاوتة العنف» تدور في شكل متواصل في ريفَي تل أبيض وعين عيسى بشمال الرقة وريفها الشمالي الغربي، بين «قوات سورية الديموقراطية» من جانب، وتنظيم «داعش» من جانب آخر، بالتزامن مع ضربات جوية لطائرات التحالف الدولي استهدفت مواقع للتنظيم في محيط مناطق الاشتباك وآلية للتنظيم قرب قرية الفاطسة وأماكن في أطراف الهيشة وتل السمن وعلى طريق خزيمة. ونقل المرصد عن مصادر أهلية أن أهالي الهيشة وتل السمن شمالي وتل السمن جنوبي وخزيمة «لا يزالون يرفضون مغادرة قراهم بسبب العمليات العسكرية الدائرة في المنطقة»، موضحاً «أن أهالي هذه القرى الواقعة على طريق الحسكة - حلب الدولي والمار من عين عيسى، يعتاشون من أراضيهم التي يزرعونها ويسقونها في محيط قراهم، ويرفضون في شكل قاطع ترك قراهم والنزوح». وقدّم المرصد أمس حصيلة جديدة للمواجهات الدائرة بين «داعش» و «سورية الديموقراطية» في ريف الرقة، مشيراً إلى أنه ارتفع إلى ما لا يقل عن 45 عدد قتلى «داعش» في ضربات التحالف والمعارك المستمرة لليوم الخامس على التوالي، ومن ضمن هؤلاء «قيادي فرنسي» لم يُكشف اسمه. وتابع أن جثث معظم القتلى نُقلت إلى مستشفيات مدينة الرقة، «وسط استمرار قوات سورية الديموقراطية في التكتم على خسائرها البشرية». ورصد المرصد، في غضون ذلك، «انخفاضاً شديداً في عمليات نزوح المواطنين من مدينة الرقة نحو ريفها الغربي وريف دير الزور الشرقي، بعد استمرار التقدم البطيء لقوات سورية الديموقراطية نحو المدينة». وتابع أن ناشطيه رصدوا قيام «الحسبة وشرعيين» من «داعش» بالتجوال في مدينة الرقة، وهم ينادون على المواطنين «حي على الجهاد... حي على الجهاد» ووزعوا صوراً لعسكريين أميركيين يقاتلون إلى جانب «قوات سورية الديموقراطية»، وهي الصور التي نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية وأثارت أزمة بين أنقرة وواشنطن. وتابع المرصد أن «شرعيي» التنظيم حرّضوا الأهالي قائلين أن «معركتكم الآن مع الكفّار والملاحدة والصليبيين الذين يريدون الاقتراب من دولتكم... وسلبكم الأرض». وتحدث المرصد في الإطار ذاته عن إلقاء طائرات التحالف أمس مجدداً «منشورات على مدينة الرقة دعت فيها المدنيين إلى مغادرة المدينة... لأن المعركة اقتربت» منها، مضيفاً أن «داعش» يستمر في المقابل «في عمليات حفر أنفاق وخنادق بمحيط مساكن الحوض، والتي تعد منطقة خاصة بعناصر التنظيم وعائلاتهم في أطراف مدينة الرقة». على صعيد آخر، ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» الرسمية أن الجيش السوري دمّر «بإسناد جوي» مقار ل «داعش» وآليات، وقضى على مجموعات من عناصره «تسللت إلى محيط منطقة البانوراما» في مدينة دير الزور (شرق البلاد). ونقلت عن مصدر عسكري أن سلاح الجو السوري «نفّذ... ضربات مكثفة على مقار وتجمعات لتنظيم داعش الإرهابي في محيط جبل الثردة وغرب مطار دير الزور العسكري». وتابعت «سانا» أن وحدة من الجيش النظامي خاضت «اشتباكات عنيفة مع مجموعات من تنظيم داعش... تسللت إلى محيط منطقة البانوراما على الأطراف الجنوبية الغربية لمدينة دير الزور»، مؤكدة فشل هجوم التنظيم في هذه المنطقة.