«هل لعب الطقس دوراً في سقوط الطائرة المصرية؟»، «مصر للطيران: الاسم الذي أصبح مألوفاً في عناوين الأخبار»، «الطائرة المصرية اختفت ما إن دخلت المجال الجوي المصري»، حسبما تطايرت التكهنات وتسارعت التساؤلات في فضاء «سي أن أن» صباح أمس. وفي الصباح ذاته، التزمت «فرانس 24» أقصى درجات الالتصاق بالتصريحات الرسمية والانتظارات البيانية حيث أعداد الركاب بحسب الوثائق، وجنسياتهم بحسب الهويات، وترتيبات التعامل كما هو صادر عن المؤسسات الرسمية، ومسار الرحلة حسبما أشار القمر الصناعي وإصرار على نعوت «المفقودة» و «المختفية» حتى آخر وقت ممكن. وفي «بي بي سي» تأخر على غير العادة وتحفظ خارج سياق السبق مع استمرار تصدر «اختفاء رحلة مصر للطيران» حتى بعد تبادل التعازي المصرية- الفرنسية، مع قفزة خبرية تقنية لخبر وصفه بعضهم بأنه «غريب» ووجده بعضهم «مريباً» في حين أسعد آخرين، إذ ظهر على صدر الصفحة الرئيسة رغم أنه يعود إلى سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ويقول عنوانه إن «طائرة ركاب بريطانية ناورت لتجنب صاروخ قرب شرم الشيخ قبل شهرين». وفي الإعلام المصري الذي استيقظ وأيقظ المشاهدين على خبر الطائرة المصرية المنكوبة، سادت العبارة المستفادة من دروس قاسية سببها تناول إعلامي كارثي إبان سقوط الطائرة الروسية، وبانت الرغبة حيناً في سبق ولو هامشياً، أو تصريح ولو غير رسمي يبرد نيران الإثارة ويرفع نسب المشاهدة، لكن سادت على مدار اليوم تخبطات وتضاربات وتصريحات ثم نفيها، لم تعكس إلا تخوفات رسمية وتحسساً حكومياً وحصافة إدارية زاد بعضها على الحد فانقلب إلى العكس. وعكس الانتقادات التي وُجهت غير مرة لمسؤولين حكوميين كانوا يسارعون إلى النفي والتأكيد والتحليل والتعليل والتشكيك والتفنيد عقب كوارث وحوادث ومآسٍ وقعت في الماضي القريب، عمدت الغالبية هذه المرة إلى التأني الشديد والتريث العميق ليخرج الكلام موزوناً والتصريح مدروساً، إلا أن مقدار التريث فاق الحد وحجم التمهل لم يكن على القدر. وحاولت قنوات فضائية ومواقع خبرية أن تلحق بشيء من السبق وتحقق شيئاً من المجد، فلم تجد أمامها إلا الدب الذي قتل صاحبه. جيوش التنظير الاستراتيجي والتحليل الجوي والتفنيد العسكري والتعليل الأمني احتشدوا في الاستديوات وتجمهروا حول السماعات، فامتلأ الأثير بما تيسر من تكهنات وما توافر من ملامح معلومات وما تواجد من نتائج بحث عنكبوتي بعضه جانبه المنطق وبعضه شابه عوار إعادة التدوير. فمن خبير إرهاب بادر إلى تقديم التعازي قبل التأكد من التحطم، إلى محلل أمني صال وجال في دوائر مرمى الصواريخ ومسافات التصويب ليكون جاهزاً في حال ترجيح كفة الإرهاب، وزميل له بحث واجتهد في الدفع باحتمالات الإرهاب بعيداً، إلى رئيس مركز أبحاث استراتيجية ودراسات أمنية دخل الاستوديو مسلحاً بكل الاحتمالات ومزوداً بالتكهنات كافة حتى إذا ما تم نفي هذا كان جاهزاً بذاك، وإن جرى استبعاد هذا وذاك جاءت هذه وتلك لتملأ الفراغ التنظيري. نظرياً، تعامل الإعلام المصري بمهنية لا سيما وقد مال الإعلام الغربي تارة صوب عقلانية انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات وتارة أخرى تجاه ترك الباب مفتوحاً أمام كل الاحتمالات، وذلك من دون الغوص في أغوار تحميل فرنسا مغبة سقوط الطائرة أو التلميح بأن خرقاً أو انتهاكاً ما في مطارها أدى إلى ما جرى. مجريات وتداعيات حادث الطائرة انعكست نيراناً ملتهبة وتناحرات مشتعلة على أثير العنكبوت. فمن مستخدمين سارعوا إلى تغيير صورهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى شعار «مصر للطيران» مذيلاً بعبارة «ادعوا لضحايا الطائرة»، أو سواد علامة على الحداد، إلى آخرين صلوا ودعوا وتمنوا أن يكون ركاب الطائرة بخير، وفريق ثالث تبرع بتحميل الأخبار وإرسال الروابط كلما صدر بيان أو أعلنت معلومة، وبالطبع مجموعة رابعة فتحت نيران غضبها على مصر و «مصر للطيران» والرئيس والحكومة. المجموعة الرابعة التي صارت سمة من سمات الأحداث والحوادث في مصر مازالت تحتفظ بمكوناتها المتناقضة حيث أنصار «الإخوان» وجماعات الإسلام السياسي المختلفة تعزو ما جرى إلى «البومة»، في إشارة إلى الطالع السيئ بسبب إطاحة الرئيس السابق محمد مرسي، جنباً إلى جنب مع فريق من معارضي النظام من غير الإسلاميين. وما هي إلا دقائق معدودة حتى كان الأثير العنبكوتي مشتعلاً بنيران هامشية وكأن كارثة الطائرة لم تكن تكفي لتنحية الخلافات وترجيح كفة الإنسانية. دوائر أصدقاء وحلقات معارف ومجموعات يعرف بعضها بعضاً استعرت خلافاً واشتعلت نقاشاً بين غضب واضح ومقت بائن على القيادة السياسية المصرية، وآخرين ردوا عليهم بنعوت انعدام الإنسانية وغياب الوطنية، ما أدى إلى دفاع برمي كرة الاتهام بكونهم عبيد السيسي ودراويش الجيش، ومن ثم تسييس الكارثة ووقوع الكثيرين في فخ الاستقطاب وتحميل المأساة ما لا تحتمله من انتماءات سياسية وتوجهات فكرية. الهاشتاق الأكثر تداولاً على «تويتر» #مصر_للطيران وحّد الجميع، الغاضبين والناقمين والجزعين والمعارضين والمؤيدين والشامتين ولكن لأسباب متفاوتة وأغراض متناقضة، وإن ظلت نسبة هؤلاء إلى أولئك متراوحة تراوحاً يكشف كثيراً عن ترتيب الأولويات وتدوير الأزمات.