يستقر الحال بمعظم براءات الإختراع في الجزائر التي تعد بالمئات سنوياً، كمجرّد رقم مسجّل في معهد الملكية الصناعية، وبسبب بيروقراطية الإدارة تهدر السلطات فرصاً لا تعوّض لاستغلالها في تنمية المجتمع والحدّ من الإجرام. «في كل مرة أتوجّه إلى مسؤول يطلب مني استعماله للممتلكات الشخصية»، يكشف لزرق عبدالحميد أمين ولائي للمنظمة الوطنية لحماية الثروة الفكرية في بسكرة (جنوب) متحدثاً عن إختراعه وبإمكاناته الخاصة، جهازاً يكشف اللصوص ويحدّ من ظاهرة السطو على الممتلكات العامة. ويوضح أمين ولائي ل «الحياة» أن رحلته مع الإدارة «لمحاولة فرض أداة ناجعة لمكافحة السرقة في المجتمع الجزائري قوبلت باللامبالاة والتهميش والإهانات، مع أن هناك توجهاً لاستيراد كاميرات مراقبة وأجهزة مكلفة. لكن نحن نحارب الناجح حتى يفشل، بينما الغرب يدعم الفاشل حتى ينجح». ويعتبر أن تمكين المواطنين من الجهاز الذي نال براءة اختراع، سيمنع المجرم عن جرمه، عندما يصبح في متناول الجميع، فضلاً عن خلقه فرص عمل والحدّ من نزيف الإستيراد. رهينة الورق يكرّس الدستور الجزائري فكر الإختراع ويوفّر الحماية للناشطين في هذا المجال، من خلال نص المرسوم التشريعي رقم 93 – 12، الصادر في 5 تشرين الأول (أكتوبر) 1993 والمتعلّق بترقية الإستثمار، بيد أن هذا المجال لا يزال راكداً من خلال عدد براءات الإختراع التي يمنحها المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية، والتي يتراوح بين 600 و800 براءة سنوياً استناداً إلى إحصاءات أصدرها، تتوزّع بين شركات أجنبية ومؤسسات وطنية ومخترعين جزائريين. ويحصر بنعربي حسين، الذي يدير شركة خاصة لتصنيع أجهزة حرق النفايات الطبية في العاصمة الجزائر، مشكلة المخترعين في عاملين يقفان حائلاً أمامهم كمؤسسات مصغّرة. وهي الإجراءات المعقّدة للتسويق والمنافسة الخارجية، مبدياً تذمّره من غياب الشفافية في المعاملات التجارية لتسويق حصة من منتوجه في السوق المحلية. وأوضح ل «الحياة» تفضيل الحكومة عقد صفقات تجارية مع الصين وروسيا مثلاً لاستيراد الأجهزة وبثلاثة أضعاف الأسعار المطروحة في السوق المحلية، ولا تعير منتوجهم أدنى اهتمام «مع أنه فعال ويحمي البيئة من خطر النفايات الطبية». أمام هذا الواقع يجسّد مبتكرون جزائريون إختراعاتهم على أرض الواقع في تحدٍ لظروف الطبيعة والإجراءات الإدارية المعقّدة في دعم المشاريع المحلية، لا سيما أن السلطات تضخ منذ عام 2007 ملايين الدنانير لتمويل ما يعرف بمشاريع «أونساج». وترفض في المقابل تبنّي وتمويل آلاف الإختراعات التي اعتمدتها بلدان أوروبية واستفادت من نحو 700 إختراع جزائري. وأطلق كل من حمتين عبدالباسط، زوهير شيخة، مفتاح لخضر، شنة سفيان، تجربة «المزرعة الذكية» في عدد من المزارع وفي لاية وادي سوف (جنوب) قبل أن تعمم في الولايات المجاورة. وكشفوا عن تركيبهم يومياً أجهزة المشروع الزراعي، مع تسجيل تزايد في الطلبات والتجارب الميدانية. وخلال السنوات الأخيرة، تحوّلت ولايات جنوبية إلى جنات خضراء تتوافر فيها مختلف أنواع المحاصيل الزراعية وسط أراضٍ تكسوها الرمال المتحرّكة. وأضحت هذه المناطق تحقق إكتفاء ذاتياً وباتت مصدراً لتوريد البطاطا والفراولة والبطيخ إلى أسواق خارجية، وبعد أن كان هذا الإنتاج حكراً على الساحل. الخيار الأخير في هذا الصدد يقرّ عبد الباسط ل «الحياة»، بتلقيه وزملاءه وعوداً كثيرة لدى لقائهم وزير الزراعة والصيد ومسؤولين آخرين، تقضي بتعميم مشروعهم ودعمهم مادياً. بيد أنهم يعملون بإمكاناتهم الذاتية حتى لا يبقى ابتكار «المزرعة الذكية» رهين الأحلام. وأخيراً باشر رئيس المنظمة الوطنية لحماية الثروة الفكرية الباحث عبداللطيف بن هاني، بدعم من وزارة الصناعة، حملة وطنية لإحصاء الباحثين والمخترعين في الجزائر، مقدّراً عددهم بالآلاف. وأوضح أن العمل جارٍ على تشكيل قاعدة معطيات وبيانات للإختراعات الجزائرية والأفكار البناءة، لتكون بتصرّف الدولة ورجال الأعمال والمؤسسات، وتجسيدها ميدانياً وفق شعار «إسقاط القول بالفعل»، وكذلك وقف نزف الأدمغة إلى الخارج. وأفاد المجلس الإقتصادي والإجتماعي في تقريره الأخير أن الجزائر فقدت ما بين 1994 و2014 عالماً وباحثاً هاجروا إلى بلدان أخرى استثمرت في ابتكاراتهم، ما كلّف الجزائر نحو 40 بليون دولار. ولا يزال النزيف مستمراً، إذ تستقبل فرنسا مثلاً حوالي 4 آلاف باحث. وتتوجّه أدمغة وكفاءات جزائرية كثيرة إلى الولاياتالمتحدة وكندا وبلدان الخليج. فمثلاً إستقر محمد دومير في قطر وبلقاسم حبة في الولاياتالمتحدة. ويفيد مطلعون بأن مخترعين يفضلون الحصول على براءة إختراع في بلد أجنبي، بهدف توفير التمويل وضمانه، لا سيما أن الدول المتقدّمة تهتم بكل ما هو جديد من مجال الإبتكارات لتطوير مجتمعاتها وتنميتها، بخلاف الجزائر التي تعتبر براءة الإختراع شهادة لا تسمن ولا تغني من جوع، ما تسبب في بقاء آلاف منها «حبيسة الجانب النظري». وإلى التهميش، يصبح المخترع والمبتكر عالة على ذويه والمقربين منه، ويعاني اجتماعياً ومادياً. كما يجد صعوبة في تسجيل أفكاره في المعهد الوطني للملكية الصناعية، وتتمثّل في مشقات الانتقال لإنجاز المعاملات، إضافة إلى سداده رسوماً تناهز ال150 دولاراً. وقد تحول قدرته المالية دون ذلك فتبقى ابتكارات حبيسة رفوف.