اقتحم مئات المتظاهرين من أنصار التيار الصدري أمس المنطقة الخضراء ودخلوا إلى مبنى البرلمان بعد دقائق من خطاب ألقاه زعيمهم مقتدى الصدر دعا فيه إلى «ثورة كبرى» إثر فشل البرلمان في إكمال التعديل الوزاري الذي كان من المفترض أن يقدمه أمس رئيس الوزراء حيدر العبادي. قال شهود عيان إن عدداً من النواب تعرضوا للاعتداء من قبل المتظاهرين، فيما تمكّن نواب آخرون من مغادرة المبنى. واقتحم المتظاهرون الغاضبون بعيد الظهر المنطقة الخضراء المحصنة التي تضم العديد من المقار الرسمية قبل أن يدخلوا مبنى البرلمان. وتمكّنوا من التسلق عبر ربط كابلات بأعلى الجدران التي تحمي المنطقة، ثم توجهوا إلى مبنى البرلمان حيث عمد بعض المتظاهرين إلى تخريب قسم من المبنى والمكاتب في حين طالبهم آخرون بالتحرك في شكل سلمي وحاولوا الحد من الأضرار، وانتشرت قوات الأمن لكنها لم تحاول منع المتظاهرين من دخول المبنى. وأعلنت «قيادة عمليات بغداد» حالة الطوارئ في بغداد حتى إشعار آخر وأغلقت جميع مداخل العاصمة لكنها أبقت منافذ الخروج مفتوحة. وقالت مصادر أمنية إن قوات من الجيش اتخذت إجراءات مشددة في محيط البنك المركزي ومصرف الرشيد خوفاً من اقتحامهما. ودخل البرلمان بذلك في أزمة جديدة بعد فشله في تحقيق النصاب القانوني لعقد الجلسة بسبب مقاطعة كتلة المعتصمين البالغ عددهم 90 نائباً. وأعلن البرلمان تأجيل جلساته حتى العاشر من الشهر الجاري، وسط احتشاد آلاف من أتباع التيار الصدري حول المنطقة الخضراء. وأعلن مقتدى الصدر في مؤتمر صحافي عقده من منزله في النجف أمس عن «مقاطعة أية عملية سياسية فيها أي نوع من أنواع المحاصصة، وأرفض مجالسة أي سياسي مهما كانت مطالبه من دون الإصلاح الجذري». وأضاف: «أنا انتظر الانتفاضة الشعبية الكبرى والثورة الشعبية العظمى، وأمام الشعب خياران إما إبقاء المحاصصة أو إسقاط الحكومة برمتها»، ثم قرر الاعتكاف لشهرين «رفضاً للمحاصصة والفساد، واستنكاراً لتقصير بعض الطبقات الشعبية». وقرر الصدر وقف العمل السياسي في كل مفاصل التيار الصدري، واستثنى العمل السياسي لتشكيل كتلة «عابرة للطائفية»، ودعا كتلة «الأحرار» التابعة له إلى مقاطعة جلسات البرلمان «ذات المحاصصة»، مشيراً إلى أن «رئيس الوزراء يتعرض لضغوط كبيرة من قبل القوى السياسية». وكشفت مصادر سياسية رفيعة ل «الحياة» أمس أن الأزمة بدأت بعد تبليغ كتلة «الأحرار» بأن قائمة المرشحين الجدد للوزارة التي كان من المفترض أن يقدمها العبادي إلى البرلمان أمس تضمّنت شخصيات تابعة لأحزاب سياسية. وأوضحت المصادر أن القائمة كانت تضم خمس حقائب وزارية هي النفط، والنقل، والتجارة، والصناعة، والإعمار. وأشارت إلى أن «العبادي واجه ضغطاً بعد مطالبة كتلتي التحالف الكردستاني وتحالف القوى الوطنية بعدم المساس بوزرائها في الحكومة ورفضوا استبدالهم بآخرين، وهو ما أثار حفيظة كتلة الأحرار». وأوضحت مقاطع فيديو نشرت أمس المئات من المتظاهرين وهم جالسين في قاعات البرلمان وآخرين يتجولون داخل المنطقة الخضراء ويعبرون الجسر المعلق للمرة الأولى منذ 13 عاماً. كما نصب المتظاهرون سياجاً شائكاً على طريق تؤدي إلى أحد مخارج المنطقة الخضراء ومنعوا بعض النواب من الهروب. وتم استهداف سيارات عدة أُصيبت بأضرار. وتضم المنطقة الخضراء في وسط بغداد مقر البرلمان والقصر الرئاسي ومكاتب رئيس الوزراء إضافة إلى سفارات عدة بينها سفارة الولاياتالمتحدة. وبدأت التظاهرة صباحاً خارج المنطقة الخضراء، لكن المشاركين فيها اقتحموا المنطقة بعدما فشل النواب مجدداً في الموافقة على تشكيلة حكومية من التكنوقراط. ويسعى العبادي لتشكيل حكومة من وزراء تكنوقراط مستقلين لمحاربة الفساد وتحسين الخدمات في البلاد، لكنه يواجه معارضة الأحزاب الكبيرة التي تتمسك بالسيطرة على مقدرات البلاد. وتخشى الولاياتالمتحدة أن تؤدي هذه الأزمة السياسية إلى إلهاء السلطات عن التصدي لتنظيم «داعش» الذي يشكل «التهديد الفعلي» للعراقيين، وفق مسؤول أميركي كبير. ولا يزال التنظيم يسيطر على مناطق عراقية واسعة أبرزها مدينة الموصل على رغم تقدم القوات العراقية بإسناد جوي من التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة. وكان المتحدث باسم كتلة النواب المعتصمين هيثم الجبوري أعلن أول من أمس عن تشكيل كتلة سياسية جديدة تضم نحو 90 نائباً وقرروا مقاطعة جلسات البرلمان وتقديم شكوى إلى المحكمة الاتحادية احتجاجاً على قانونية بقاء رئيس البرلمان سليم الجبوري في منصبه.