في مسرحية «شقائق النعمان» يصاب «نمر الفلا» (غوار أو دريد لحام) بإحباط شديد من تردي الوضع ويحاول «الأصمعي» أن يعطيه جرعة من التفاؤل بمزيد من التنظير، ولكي يستوعب «نمر الفلا» طلب منه «الأصمعي» أن يخبره عن أغلى أمانيه لكي يضرب له مثلاً حسياً. طلب «نمر الفلا» المواطن البسيط قطعة «كنافة». بدأ الأصمعي بتحليل مكونات «الكنافة»: سميد أو قمح وسكر وزبدة وقشطة وجبنة وفستق وصنوبر وفرن وغاز والجهود النوعية والعلاقة المعقدة بينها لصنع قطعة «الكنافة» وأهمية الربط بين الجزئي والكلي، لكن «نمر الفلا» مواطن بسيط لا يهمه من كل ذلك التنظير والربط بين المكونات والمعطيات، أو من أين تأتي المكونات أو كيف تخلط أو تعجن ما يريده هو النتيجة، يريد «الكنافة». تذكرت المشهد السابق من المسرحية وأنا أشاهد برنامج «واجه الصحافة»، الذي حاول ضيفه جاهداً أن يختطف الحلقة ويختطفنا ويذهب بها وبنا إلى مجلدات الخطة التاسعة وأرقامها وأهدافها وبرامجها وسياساتها وآلياتها والصورة الوردية التي تشتمل عليها، إذ ذكر أننا أفضل في التعليم من اليابان وكوريا وسنغافورة وتشيلي والبرازيل وفرنسا وبريطانيا، أما في الصحة فمثل كندا وإسبانيا وأفضل من الولاياتالمتحدة الأميركية. «معقولة»؟ لكن الشريان والعمران والقاسم عبروا بكل صراحة أن تلك الأرقام «لن يصدقها أحد»، وأن «كل الأهداف مبهمة»، وأضافوا أن «أرقام الخطة فيها تضليل». من جانبنا سنحاول هنا أن نسلط الضوء على خطة التنمية الثامنة لسبب رئيس وجوهري، وهو أن الخطة انتهت ونريد أن نعرف ما تحقق منها ونسب النجاح، وأن عدم تحقيق الأهداف سيلزمنا منطقياً بالتوقف ومراجعة نجاعة الوسائل والسياسات والآليات التي وضعت لتحقيق تلك الأهداف و/ أو لماذا لم نصل إلى النتائج المرجوة والمتوخاة؟ ونستميح القارئ عذراً بأننا سنسلط الضوء على «كنافة» السعودة فقط وسننقل من مجلد الخطة بأمانة ونكتفي بالتعليق في حده الأدنى تاركين للقارئ ملاحظة الصورة الوردية في صياغة الأهداف والسياسات والأطر. باختصار، سنترك الأحرف والأرقام في الخطة تتحدث عن نفسها. أما المواضيع الأخرى فسنحيلها لأهل الاختصاص للنظر في ما تم تحقيقة. سنترك موضوع المرأة للزميلة بدرية البشر فهي على ذلك أقدر، وسنترك مواضيع التعليم والرعاية الصحية للزميل عبدالعزيز السويد فهو بتلك أجدر، والنواحي الاقتصادية للزميل جمال بنون فهو بها أخبر، أما موضوع الفقر فسنحيله إلى الصديق الأستاذ جميل الذيابي لأن منصبه أكبر، ولزميلنا ميسر الشمري سنترك موضوع المياه والبيئة لكي لا يغضب ويتأثر. تذكر الخطة أنها تستهدف «توفير أكثر من مليون فرصة عمل خلال سنوات الخطة، يتوقع أن يشغل الداخلون الجدد إلى سوق العمل منها أكثر من مليون فرصة، أي ما نسبته 89 في المئة، أما الفرص المتبقية فيتوقع أن تتوفر لاستيعاب نحو48 في المئة من البطالة القائمة... إذ يتوقع أن ينخفض معدل البطالة بين السعوديين من 7 في المئة عام 2004 إلى 2 في المئة عام 2009». صورة وردية جميلة. لكن الأرقام المتفائلة التي وعدت بها الخطة وهي خفض البطالة إلى 2 في المئة لم تتحقق وما نعرفه أن البطالة نمت وربت وترعرعت حتى وصلت إلى 28 في المئة بين الإناث و10 في المئة بين الذكور وأن البطالة «عالية ومحزنة» كما أكد ذلك نائب وزير العمل قبل أيام. رب قائل يقول إن وزارة الاقتصاد والتخطيط ليس من مهمتها التنفيذ وتحقيق الأهداف وأن مهمتها تقف عند التخطيط فقط، لكن الوزارة ذاتها ترى عكس ذلك وتؤكد أن «تنفيذ السياسات جوهر اهتمام خطة التنمية الثامنة، وهو ما يميزها عن سابقاتها... وستواصل وزارة الاقتصاد والتخطيط تطوير اساليب متابعة تنفيذ الخطة بحيث تولي اهتماماً خاصاً بتنفيذ السياسات لضمان التزام الجهات المعنية بتنفيذ السياسات المتعلقة بتطوير نشاطها وتحقيق الاهداف المحددة خلال خطة التنمية الثامنة، ما سيمثل بداية لنقلة نوعية في اساليب المتابعة للخطط التنموية»، الأدهى والأمر أن وزارة الاقتصاد والتخطيط تصر على الأرقام المضللة والخاطئة، فقد قامت وزارة الاقتصاد والتخطيط بإصدار تقرير عن منجزات خطط التنمية حتى العام 2009 تذكر فيه « شهد عام 2008 استمرار تكثيف الجهود التنموية لرفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة، ما أدى إلى توفير فرص لتشغيل العمالة الوطنية»، ويضيف تقرير المنجزات «اقترن التطور الاقتصادي بتوفير فرص عمل للعمالة الوطنية، أي أن العمالة الوطنية ازدادت بمعدل نمو سنوي نسبته 3 في المئة في المتوسط»، وفي موضع آخر يذكر التقرير «أكدت خطة التنمية الثامنة على دور القطاع الخاص في مسألة التوظيف، وفي ظل تلك التوجهات بلغت العمالة الوطنية في هذا القطاع 2،7 مليون عامل في عام 2008 محققاً نمو سنوي متوسط قدره (3.5) في المئة». نعترف للقراء أننا لم نفهم هذه النسب المتفاوتة في نمو العمالة الوطنية في القطاع الخاص، هل هي 3 أو 3،5 أو 6،6 أو 7،2 في المئة؟ في ظننا، أما أن المقصود هو النمو السنوي للبطالة في العمالة الوطنية أو النمو السنوي للعمالة الوافدة. المحير، وعلى رغم الارتفاع الكبير لنسبة البطالة المعلنة الحالية إلا أنها متحفظة جداً وغير دقيقة وتثير تساؤلات حسب ما تذكره استراتيجية التوظيف السعودية، إذ استبعدت المصلحة لأسباب غير معروفة «أكثر من 6.8 ملايين من المواطنين أي ما نسبته 63.5 في المئة من إجمالي السعوديين ووضعتهم خارج قوة العمل وبالتالي لا يدخلون في حساب معدل البطالة، وهي نسبة مرتفعة بالمقاييس الدولية». وتضيف استراتيجية التوظيف السعودية: «إن الطريقة التي اتبعتها المصلحة في استخلاص نتائج المسح نفسه تطرح تساؤلات عن مدى دقة هذا التقدير...»، بمعنى آخر، لو استخدمت المصلحة معايير واقعية ودقيقة لأصبحت نسبة البطالة أضعاف أضعاف ما هو معلن بشكل رسمي. وهذا يطرح سؤالين: لماذا تضع المصلحة أكثر من 65 في المئة خارج قوة العمل؟ ومن المستفيد من إعلان أرقام متدنية أو غير واقعية للبطالة؟ أخيراً، مراجعتنا لخطة التنمية الثامنة تؤكد ما توصل إليه برنامج «واجه الصحافة» أن «الأرقام لن يصدقها أحد» وأن في تلك الأرقام «تضليلاً»، كما أن الأهداف «غير محددة». انتهت خطة التنمية الثامنة المليئة بالأهداف والسياسات والآليات والبرامج والأرقام المتفائلة ولازلنا نعاني من البطالة ولم يحصل المواطن على «الكنافة». ونتساءل ما الواجب عمله عندما لا تحقق خطة - أي خطة- غايتها أو أهدافها؟ هل نستمر في الخطأ والتضليل؟ هل نعيد صياغة الأهداف أو السياسات أو الآليات؟ من يتحمل مسؤولية الصرف الباهض والمبالغ الضخمة على حلم أو غاية أو هدف لم يتحقق، خصوصاً ونحن لا نتحدث عن ملايين أو بلايين بل تريليونات، أي ملايين الملايين؟ والأهم من ذلك سنوات من عمر أجيال وشعب وأمة. إن ولاة الأمر يتمنون الخير والرفاه والعيش الكريم للمواطن، يبذلون الغالي والنفيس من أجل ذلك، ونجدهم سباقين وفرحين دائماً بكل ما يخدم المواطن. وبالتالي، يحاول بعض المسؤولين استغلال هذه النقطة (المواطن) لتمرير مشروع أو موازنة، ولذا نجد «المواطن» مصطلحاً مشتركاً في ديباجة كل الخطط والمشاريع التنموية. لو نظرنا إلى آخر خمس موازنات لوجدناها تقدر بآلاف الملايين، أي أننا صرفنا ما مجموعه (2،256،100،000،000) ريال! هل أدركتم حجم الرقم؟ وهل لاحظتم عدد الخانات والأصفار والفواصل؟ اللهم لك الحمد والشكر والمنة. فهل يتصور بشر أنه مع هذا الإنفاق الذي فاق الحدود أن يكون لدينا بطالة تصل إلى اكثر من 10 في المئة بين الذكور وإلى أكثر من 28 في المئة بين الإناث، مع كل معايير التحفظ التي تنتهجها مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات؟ أظن أن البحث عن الإجابة لكل التساؤلات السابقة تقع في مجلس الشورى الذي يناقش خطة التنمية التاسعة والمجلس الاقتصادي الأعلى، أما نحن فلا زلنا ننتظر «الكنافة». * باحث سعودي. [email protected]