منع المطر الشديد شعراء مهرجان «دنيا» العالمي وجمهوره من التوجه إلى تمثال شاعر الأمة الهولندية هندرك تولن (1780 – 1856) المقام في حديقة الشعر في مدينة روتردام للاحتفال بمرور 150 عاماً على إقامته، وأجبرهم على البقاء في الخيام التي أعدت لتستوعب الكثير من الأنشطة الأدبية والفنية. بدأ الافتتاح الرسمي للمهرجان في دورته الثالثة بكلمة لمساعد عمدة روتردام للشؤون الثقافية قال فيها: «يبدو أن المطر أصبح جزءاً من تقاليد المهرجان». فرقة الكوراس الملكية كانت حاضرة أيضاً وقدمت قطعاً مغناة بلا موسيقى ليأتي دور الشعر بعدها معلناً بدء المهرجان. في هذه الدورة كان هناك تعاون مشترك بين مهرجان روتردام العالمي للشعر وهو أقدم مهرجان شعري في أوروبا مع مهرجان دنيا لكي تكون دورة «هندرك تولن» متميزة في كل أمر. وعلى هذا الأساس قام المهرجان باختيار أربعة شعراء هولنديين وطلب منهم اختيار قصيدة من شعر «تولن» لقراءتها أمام الجمهور وكتابة قصيدة أخرى تستمد ثيمتها من الموضوعات التي كرس لها الشاعر الكثير من جهده الشعري. الشعراء الأربعة الذين وقع عليهم الاختيار هم: يانا برانوفا، هستر كنبه ورين فروخنديك وكاتب هذه السطور، وقاموا بافتتاح المهرجان بعد أن قرأ كل واحد منهم قصيدة من أعمال «تولن» وأخرى كتبوها خصيصاً للاحتفاء به. بعد هذه الفاصلة انطلقت الموسيقى في أرجاء الحديقة الكبيرة وبدأ الجمهور يتحرك بكثافة حينما شارك المطر في الافتتاح وقرر أن يتوقف قليلاً. الشعراء الأربعة عادوا مرة أخرى ليقرأوا من أعمالهم الخاصة فكان رين فروخنديك أولهم واقترح أن يطلق اسم الشاعر «تولن» على الحديقة بدلاً من الاسم القديم «البارك»، فلاقى اقتراحه حماسة لدى الجمهور. ثم قرأ عدداً من النصوص الخفيفة التي جعلت الجمهور يتخفف من كآبة الجو الذي أشاعه المطر. الشاعرة هستر كنبه المولعة بالطبيعة قدمت نصوصاً صافية وسهلة وقريبة من ذائقة الجمهور الهولندي الذي يحتفي بالطبيعة عادة بوصفها مصدراً للهدوء والمحبة. أما الشاعرة يانا برانوفا شاعرة مدينة روتردام فقرأت نصوصاً متعددة الثيمات من بينها قصيدة جميلة عن أعلى بناية شيدت حديثاً في المدينة وأطلق عليها اسم «التفاحة الحمراء». عشرة من شعراء المدن الهولندية بينهم شاعران عربيان ضيفان شاركوا في تقديم صور عن المدن التي يعيشون فيها، تاريخ هذه المدن، منجزاتها، أعلامها الكبار وما تمتاز به كل مدينة عن قريناتها. الشاعر والممثل فرانس فوخل المديني بامتياز الذي اختير كأحد أفضل الشعراء الهولنديين في الانطولوجيا التي ظهرت أخيراً، قرأ قصيدة كتبها عن أحد شوارع مدينة روتردام التي تكثر فيها القناني الفارغة! أما الشاعر والموسيقي والتروبادور البلجيكي بيتر هانسن الذي يبدو عمله الشعري والموسيقي أقرب إلى المسرح فبدا وكأنه يقدم عملاً مسرحياً موسيقياً وغنائياً أيضاً، حرك الجمهور المبلل وأضحكه. شاعرة مدينة هارلم سلفيا هبرز تستعين بالموسيقى وهي تصف الفاكهة والخضار والجوع والخبز والحب. يومية ومباشرة وجريئة وفوضوية في أحيان كثيرة ولا تتورع عن الرقص مع أقرب رجل إليها... هي التي كتبت ذات يوم بعد أحداث الحادي عشر من أيلول قصيدة «الجيران السمر» وفيها تتحدث عن ركاب عرب في قطار بدأوا يخرجون من حقائبهم أشياء بدت أول الأمر غريبة لكنها في النهاية كانت كتباً يقرأونها. مارغريت سخاونار التي تمتاز بلغتها القوية المتماسكة قدّمت شيئاً آخر هذه المرة وأصدرت كتاباً شعرياً لأناس ليسوا بشعراء أو كتاب، لكنها قامت بتدريبهم على الكتابة من خلال ورش عمل أقيمت لهذا الغرض. شاعر غرائبي آخر لا ينشر قصائده في الصحف والمجلات الأدبية ولكن في دليل التلفون وكتب الإعلانات، انه رون الشوت، الشاعر الفولكلوري الذي يستلهم الفولكلور الهولندي في كتابة قصائده. من بين الشعراء العرب الذين شاركوا في مهرجان «دنيا» والذين شاركوا في مهرجان روتردام الشعري الشاعر السوداني الصادق الراضي والشاعر المغربي حسن الوزاني. الصادق الراضي هو من الأسماء الشعرية الجديدة في السودان التي بدأت تتقدم المشهد الشعري هناك خصوصاً بعد أن أصدر ديوانه «غناء العزلة» الذي يحفل بنصوص تميزت بخصوبة الخيال فيها. أما الشاعر والصحافي حسن الوزاني فهو أيضاً من الأصوات الجديدة في المغرب ويمزج في شعره بين التراث والمعاصرة.