تبقى القضية الفلسطينية أسرع طريق للشعبية السياسية بين العرب والمسلمين، وأضمن وسيلة للفوز بالانتخابات، لو خلت من تزوير. جمال عبدالناصر حمل لواء القضية فحمله العرب على أكتافهم، وقبله وبعده فعل حزب البعث وحركة القوميين العرب والحزب القومي السوري، كما فعلت الحركات السياسية اللاحقة وحتى اليوم. هناك من رفع لواء القضية عن إيمان وهناك من تاجر بها، ويبرز من الصنف الأخير صدام حسين الذي أطلق صواريخه على اسرائيل خلال الحرب لتحرير الكويت، ولم يقتل أحداً أو يدمر شيئاً (مات اسرائيلي واحد خوفاً بسكتة قلبية) ومع ذلك فقد استقبلت حركته اليائسة بترحيب كبير بين الفلسطينيين وكل شعب عربي وهتف الناس له. اليوم تنتصر ايران وتركيا للقضية العربية وتنافسان البلدان العربية في دعم الفلسطينيين، وتكسبان شعبية من المحيط الى الخليج. أحاول أن أجرد عقلي وقلبي من أي هوى شخصي، وأن أغلب الموضوعية وأقول إن تأييد البلدين القضية حقيقي، حتى وهو يخدم أغراضهما، إلا أن التأييد الإيراني تُضعفه غوغائية النظام كما رأينا في العزم على إرسال أسطول ايراني على نمط الأسطول التركي لمساعدة قطاع غزة تحميه وحدات بحرية للحرس الثوري، كما أنه مؤذٍ لأن ايران متهمة بتأييد الإرهاب، ولأن برنامجها النووي يوفر عذراً لإسرائيل في عرقلة العملية السلمية، وهي تطالب بتجريد إيران من أي قدرة نووية عسكرية لضمان أمنها قبل أن تنتقل الى السلام مع الفلسطينيين. أترك محمود أحمدي نجاد ينتقل من خطأ الى خطأ، ويوفر ذخيرة مجانية لأعداء بلده، وأركز اليوم على تركيا وحكومتها ودورها القيادي في المنطقة، خصوصاً بعد أن سمعت نقداً، أقله علني، للدور التركي، مع اتهام الترويكا التركية عبدالله غل ورجب طيب أردوغان وأحمد داود أوغلو بالمتاجرة بالقضية. وأقول لكل منتقد: يا أخي تاجر أنت، لأن من الواضح أنها تجارة رابحة، كما يبدو من ارتفاع شعبية رئيس الوزراء التركي في كل بلد عربي. قطعاً، الدفاع عن الفلسطينيين يفيد حكومة حزب العدالة والتنمية إلا أن الإنصاف يقضي أن نقول إن الحزب له خلفية إسلامية، ما يعني أن تأييد القضية التزام وليس تجارة، ثم إنني أتابع عمل أردوغان وأعرفه وقد قابلته وحدثته، كما كنت في دافوس في 29/1/2009 عندما ثار على الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، وهو دجال محترف حاول أن يقلب حقائق الحرب على غزة رأساً على عقب وكأنّ إسرائيل هي التي تعرضت لغزو من حماس. أردوغان انسحب غاضباً، وقد احتقن وجهه واشتدت حمرته وهو يصرخ ماراً أمامي، وأعتقد أنني لست طفلاً يُخدع بما يرى، فقد كان انفعال أردوغان حقيقياً، وممثل محترف لا يقدر على نصفه لو حاول. أعرف أن أردوغان يسعى الى حلف تركي - عربي ضد اسرائيل، وما أسجل هنا ليس رأياً يخطئ ويصيب، بل معلومات سمعتها من أصحاب القرار في حديث ليس للنشر. كذلك أعرف أن مصر بدأت مع تركيا وسورية حلفاً ثلاثياً ضد اسرائيل، ومعلوماتي من المصادر المعنية التي قالت لي أيضاً ألاّ أتوقع يافطة تقول «حلف ضد اسرائيل» حتى لا تثير ردود فعل سلبية في أميركا وأوروبا. والمسؤول التركي قال لي: نحن والعرب أهم مئة مرة من اسرائيل وستضطر أميركا وأوروبا الى التعامل معنا على هذا الأساس. الجزء المعلن من الحلف القائم، من دون اعلان، اقتصادي، وهذا لا يتحقق إلا في جو من الاستقرار لذلك يقول وزير الخارجية التركي إن بلاده تريد صفراً من المشاكل مع الجيران، وتسعى الى بناء اقتصاد متكامل في المنطقة يعتمد بعضه على بعض، مع ضمان أمن الجميع وتعايش، قوامه تعدد الثقافات والأديان والحرية للجميع. في كل هذا تريد تركيا أن تلعب دوراً محورياً في جمع دول المنطقة، وأردوغان نفسه قال إن حكومته لا تريد تحويل وجهها من اتجاه الى اتجاه، بل تريد بناء جسور بين دول المنطقة والشرق والغرب، وهي تأمل بأن تنجح الكتلة التركية - العربية الصاعدة في تحجيم دور اسرائيل وتمهيد الطريق لقيام دولة فلسطينية مستقلة. حزب العدالة والتنمية سيفوز بالانتخابات البرلمانية السنة المقبلة، إلا أن هذا لا يعني الفوز بكل انتخاب، فالديموقراطية من سماتها التغيير، إلا أن الحزب يملك الوقت الكافي لجعل برنامجه الحزبي بمكوّناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية موقفاً وطنياً تركياً مستمراً طالما أنه يخدم مصالح الشعب التركي. والعربي الذي يتابع المواقف التركية لا يحتاج الى القلق، فكل ما عليه هو أن يفعل ما يفعل الأتراك فيخدم القضية ووطنه ودينه، كما يخدم نفسه قبل أن تصبح اسرائيل في بيته. [email protected]