لم تكن الانتخابات الفرعية التي جرت أمس في قضاءي المنية - الضنية مجرد منافسة بين «الخيرين» كاظم وكمال لملء المقعد النيابي الشاغر بوفاة النائب في كتلة «المستقبل» النيابية هاشم علم الدين بمقدار ما حفلت بمجموعة من العوامل المحلية والخارجية مردها الى أن قوى في المعارضة سابقاً نزلت بثقلها في دعمها لكمال الخير ضد منافسه من «المستقبل» كاظم صالح الخير في محاولة لاختبار القوة التي يتمتع بها رئيس الحكومة سعد الحريري وقدرته على الحفاظ على نفوذه الانتخابي والشعبي في هذه المنطقة في ضوء الاختلاف في القراءات السياسية لنتائج الانتخابات البلدية التي جرت في الشمال في 30 أيار (مايو) الماضي. ولذلك اختارت المعارضة المنازلة النيابية للتأكيد بدعمها كمال الخير على حضورها النيابي باعتبار ان البعض يتعامل مع نتائج الانتخابات البلدية على أنها مقياس لتراجع نفوذ «المستقبل» في المنية والضنية، فيما لا يرى البعض الآخر ضرورة للربط بين البلديات والنيابة لأن العوامل العائلية التي تطغى على الأولى لا تنطبق في النظرة الموضوعية على الخريطة النيابية. وعلى رغم ان كمال الخير، بترشحه ضد قريبه كاظم الخير، يمثل «النموذج» للتقاطع بين المعارضة السنية في الشمال عموماً وفي المنية والضنية خصوصاً وبين القوى المنتمية الى المعارضة السابقة من خارج محافظتي الشمال وعكار، فإن الوقائع المأخوذة من اليوم الانتخابي الطويل حملت مفارقات أساسية باتجاه اعادة خلط الأوراق السياسية بين حلفاء اليوم وخصوم الأمس تمثلت في موقف مسؤول الجماعة الإسلامية النائب السابق أسعد هرموش المناوئ لقرار قيادة الجماعة بدعم كاظم الخير في الانتخاب الفرعي. كما تمثلت في قرار وزير الاقتصاد والتجارة النائب محمد الصفدي وحليفه النائب قاسم عبدالعزيز في وقوفهما على الحياد في المعركة ما يفسر انه يشكل دعماً لكمال الخير حتى لو لم يقترع أنصارهما له، نظراً الى كونهما حليفين لتيار «المستقبل». ويمكن القول ان موقف النائب السابق جهاد الصمد بدعمه كمال الخير لم يشكل مفاجأة للمعنيين في مواكبة سير العملية الانتخابية باعتباره أحد أبرز خصوم «المستقبل» في قضاءي المنية والضنية بخلاف موقف ممثل الجماعة هرموش الذي هو على تباين مع النائب أحمد فتفت ويحاول الثأر منه لاستبعاده من لائحة «المستقبل» في الانتخابات النيابية الأخيرة. وأياً كانت تبريرات هرموش في وقوفه الى جانب كمال الخير فإن صدقية الجماعة الإسلامية أصيبت باهتزاز في علاقتها ب «المستقبل» لا يمكن تطويق تداعياتها السياسية وارتداداتها السلبية من خلال الادعاء بأنه يعبر عن موقفه الشخصي الذي لا يلزم الجماعة به، ناهيك بأن هرموش وحلفاءه يسعون الى إحداث ارباك انتخابي لعله يسهم في احداث مفاجأة انتخابية سيكون لها تأثيرها على مستقبل الائتلاف النيابي عام 2013. إلا أن الغرابة تكمن أيضاً في موقف الصفدي وحليفه عبدالعزيز. فالأول يتطلع الى تمييز موقفه عن حليفه الحريري وهو عكسه بوضوح من خلال تغيبه عن الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء التي انتهت من دون التفاهم على موقف موحد في شأن قرار مجلس الأمن في تصويته على قرار فرض عقوبات على ايران على خلفية عدم تجاوبها مع رغبة المجتمع الدولي في إيجاد حل لملفها النووي. وبصرف النظر عن التبرير الذي قدمه الصفدي لغيابه عن جلسة مجلس الوزراء فإن خروجه عن قرار قوى 14 آذار بالامتناع عن التصويت على العقوبات يصنف في الحسابات السياسية المحلية على خانة انه أراد أن يرسم لنفسه مسافة عن «المستقبل» لا سيما انه يتطلع الى الظروف المواتية التي تتيح له أن يحجز مقعداً له على لائحة المرشحين لرئاسة الحكومة. فطموح الصفدي في الوصول الى رئاسة الحكومة لم يفارقه منذ أن شارك في مؤتمر الدوحة للحوار الوطني، وهو كان أوحى من خلال بعض مستشاريه الى المؤتمر بأن لديه رغبة في خوض غمار الرئاسة الثالثة وهذا ما يفسر انفتاحه من دون قيود على المعارضة سابقاً وتحديداً «حزب الله» و «التيار الوطني الحر»... ولم يعرف ما إذا كان الصفدي اختار الوقت المناسب للخروج من قوى 14 آذار أم إنه استفاد من المعركة الفرعية ليؤكد أنه ليس ملحقاً ب «المستقبل» ولديه حسابات خاصة لا يود التفريط بها، على أمل أن يتدخل لاحقاً «وسطاء» الخير لإصلاح ذات البين بينه وبين «المستقبل». ولعل الصفدي، ومعه عبدالعزيز، يتذرعان بأن «المستقبل» اختار مرشحه كاظم الخير من دون التشاور معهما أو الوقوف على خاطرهما باعتبارهما قوة ناخبة في المنطقة وأن رد فعلهما جاء ليردا فيه على بيان ل «المستقبل» وفيه ان النائب المتوفى هاشم علم الدين ينتمي اليه وبالتالي من حقه أن يرشح من يرشحه خلفاً له... لكن اللافت أيضاً ان حليف الصفدي في الانتخابات النيابية في طرابلس الرئيس نجيب ميقاتي لم يتضامن معه في موقفه لأن لديه حسابات سياسية قد لا يلتقي فيها معه في قراءته لأبعادها. وهو لذلك أعطى اشارة الى حليفه في الضنية المنية محمد أحمد الفاضل بالوقوف الى جانب كاظم الخير على رغم ان البعض أخذ يروّج ان الفاضل هو أحد أركان الحلف الرباعي الى جانب الصمد وهرموش وعبدالناصر رعد من الحزب السوري القومي الاجتماعي الداعم لكمال الخير. إلا أن الفاضل انسحب بصمت من الحلف الرباعي بناء لإشارة تلقاها من ميقاتي الذي كان التقى أول من أمس في طرابلس النائب السابق صالح الخير والد المرشح كاظم في حضوره. وعلمت «الحياة» ان ميقاتي الذي انتقل أمس الى بيروت اتخذ قراره بدعم كاظم الخير من زاوية ان المعركة أخذت تتسم بطابع الخيار السياسي الذي يحتم عليه البقاء على علاقة جيدة ب «المستقبل» بخلاف موقف الصفدي. وانه لم يكن يتردد لو انحصرت المعركة بين مرشح من آل علم الدين وآخر من آل الخير في دعم آل علم الدين. كما ان ميقاتي، وان كان اتخذ خياره الانتخابي من دون طبل وزمر كما تنقل عنه أوساطه، فإن المواكبين للعملية الانتخابية لا يسقطون من حسابهم «نقزة» «المستقبل» من حليفه الصفدي الذي يتصرف على أنه أحد المراجع المقررة في الانتخاب الفرعي. ويمكن أن يقيم تحالفاً بديلاً مع زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية الذي كان استضافه في منزله في طرابلس، مع ان فرنجية لم ينقطع عن التواصل بطريقة أو بأخرى مع الحريري على رغم «البرودة» التي سيطرت على علاقتهما في الآونة الأخيرة وهو كان التقى رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العقيد وسام الحسن. ولم يعرف ما إذا كان الصفدي اختار سياسة استعجال حرق المراحل في تبدل موقفه الذي ظهر جلياً في دعمه لمرشح المعارضة سابقاً مع ان المراقبين للانتخاب الفرعي يعزون التغيير في التحالفات أو الانقلاب عليها الى لجوء البعض الى الأخذ بقراءته الخاصة للمسار العام للانتخابات البلدية في الشمال وفيها ان «المستقبل» بدأ ينحسر على رغم انه لا يزال الأقوى... كما ان هذا البعض ينطلق في استعداده لتغيير تحالفاته من أن «المستقبل» خرج مربكاً من البلديات وان هناك فرصة ليسجل نقطة في مرماه بدعم منافسه في الانتخاب الفرعي. لكن يبقى الأهم ان هذا البعض يحاول أن يسجل موقفاً للمساس بمرجعية الحريري، وانما هذه المرة من باب الخشية التي أخذ يعبر عنها في مجالسه الخاصة، من بوادر الائتلاف الذي قطع شوطاً وقوامه التعاون بين الحريري ورئيس الحكومة السابق عمر كرامي الذي ترجم في الانتخابات البلدية في طرابلس، خصوصاً ان تحالفاً بهذا الحجم يمكن أن يحد من اصرار البعض على استنزاف رئيس الحكومة والتعامل معه على أساس انه لا يستطيع الاستغناء عنه في التركيبة السياسية الطرابلسية.