«شارع الرشيد يحكي قصة بغداد، ويشهد على أحداثها، على رغم تهالك اجزاء كبيرة منه، هو اقدم شوارع العاصمة، بني عام 1910، وكان يعرف خلال الحكم العثماني باسم شارع «خليل باشا»، و «شارع هندنبرغ»، ويتمد من منطقة الباب الشرقي الى الباب المعظم في جانب الرصافة بمحاذاة دجلة، ويتفرع منه عدد من الشوارع، مثل شارع المتنبي والصفافير، وفيه اشهر الجوامع البغدادية التراثية كجامعي الحيدر خانة وحسين باشا، اضافة الى المقاهي الشهيرة (حسين عجمي وام كلثوم والبرازيلية) ويربط بين جسور الاحرار والشهداء والجمهورية. و يحلو للعراقين اطلاق اسم «الشارع الشاهد» على شارع الرشيد لكثرة الاحداث السياسية والتظاهرات والاعتصامات والمواجهات التي حصلت في «شناشيله» التي تحملها الاعمدة السميكة، متيحة لاهالي هذا الشارع مشاهدة هذه الاحداث عن كثب، ونقلها إلى الأجيال، ابتداء باستعراض الجيش البريطاني عند احتلال بغداد عام 1917 وانتهاء بمظاهرات انقلاب 1968، مرورا بتظاهرات وثبة كانون (1948) ووثبة تشرين (1952)، وغيرها كثير من الاحداث، لعل اشهرها حادثة محاولة اغتيال الرئيس عبدالكريم قاسم عام 1959 والتي نفذتها خلية من حزب البعث بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين وعبدالواهاب الغريري الذي قتل اثناء المحاولة، وأقام له صدام فيما بعد تمثالا في مكان الحادث وسط الشارع. الا انه هدم بعد احتلال العراق عام 2003 واقيم مكانه تمثال لعبدالكريم قاسم . الحاج علي، وهو مصلح ساعات في الشارع ما يزال يزاول مهنته التي شارفت على الانقراض، وهو في الثمانين. يقول الحاج انه يعرف شارع الرشيد منذ طفولته، عندما لم يكن في بغداد شارع سواه. ويقارن بين حاضره وماضيه، مؤكداً انه يعاني اليوم من اهمال كبير قد يغير من معالمه التاريخية، إذ تحولت معظم محلات الالبسة الشهيرة ودور السينما الى مجرد مخازن بعدما هجرها روادها، فيما بدأت مخازن الاجهزة الكهربائية والمولدات تغزو الشارع. اما ابو جاسم، وهو من رواد مقهى ام كلثوم فيرى ان الشارع احتفظ بمقاهيه القديمة التي بدأ روادها بالتناقص، مشيرا الى ان ابرز ما يفتقده «الرشيد» الان هو دور السينما العريقة التي انشئت قبل اكثر من سبعين عاما مثل سينما الزوراء والرويال والشعب وهي مغلقة حاليا. وتحاول امانة بغداد المحافظة على هذا الشارع التراثي. واعلنت قبل ايام التعاقد مع إحدى الشركات المتخصصة لإعداد الدراسات والتصاميم الخاصة بإعادة إعماره وتطويره بكلفة تصل الى سبعة ملايين و300 الف دولار وبسقف زمني مدته تسعة شهور. ومن طريف ما يروى عن طريقة انشاء هذا الشارع ينقله الباحث الاجتماعي علي الوردي الذي يقول ان «شق الشارع كان يجري بطريقة عجيبة فقد جيء بحبلين طويلين ومدّا فوق سطوح الدور لتحديد استقامته وعرضه بهما، وكان مرور احد الحبلين فوق احدى الدور معناه نزول الكارثة على اهل تلك الدار اي ان دارهم ستتعرض للهدم». ويتابع أن « صاحب الدار كان يسرع الى اصدقائه لكي يرشدوه الى من يساعده على ازاحة الحبل عن داره لقاء رشوة فكان الحبل يتحول من دار الى اخرى حسب مبلغ الرشوة التي تدفع او النفوذ الذي يستخدم». وهذا ما يفسر كثرة الالتواءات والالتفافات في شارع الرشيد.