لم تستطع الصحافة الفرنسية المطبوعة قطف ثمار جهود بذلتها لمواجهة تراجع مبيعاتها، إذ جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية لتبدد مفاعيل تلك الجهود، بعدما انعكست سلباً على هذه الصناعة التي تخوض أساساً صراعاً يومياً من أجل البقاء. يثير التآكل المستمر في مبيعات الصحف الفرنسية المختلفة حالاً من القلق الأكيد لدى المسؤولين عنها والعاملين فيها. وجاءت الأزمة الإقتصادية الأخيرة لتعزز الصعوبات التي تواجهها الصحف المختلفة، في مجال الاحتفاظ بقرائها، فيما تبدو إمكانية جذبها لقراء جدد عسيرة في الأوضاع الحالية. وأشارت الأرقام التي وزعها أخيراً مكتب مراقبة المطبوعات الصحافية (أوجي دي) الى تراجع نسبته 3.03 في المئة في مبيعات الصحف سنة 2008، عندما كانت الأزمة الاقتصادية في بداياتها، ولم تكن قد تحولت بعد الى عنصر ثابت يتحكم بما ينفقه الفرنسيون في حياتهم اليومية. وبينت الأرقام ان من أكثر الصحف الفرنسية تأثراً بالتراجع في السنة الماضية، صحيفة «ليبراسون» التي خسرت 6.8 في المئة من مبيعاتها، تليها صحيفة «لوموند» التي سجلت مبيعاتها تراجعاً نسبته 5.15 في المئة، ثم «لوفيغارو» التي تراجعت مبيعاتها بنسبة 2.29 في المئة. ومعروف ان هذا التراجع جاء نتيجة عوامل عدة لكل منها دوره في الحد من الإقبال على شراء الصحف ومطالعتها. ومن بين العناصر بروز صحف توزع مجاناً في فرنسا وتقدم للقراء مجموعة من الأخبار المبسطة والمتصلة باهتماماتهم وأوجه حياتهم. وهناك أيضاً منافسة التلفزيون عموماً وأقنية الأخبار المستمرة خصوصاً والتي تغطي الأحداث المحلية والدولية على مدار الساعة بالصوت والصورة. وهناك أخيراً شبكة الانترنت، التي تتيح بدورها للراغبين الاطلاع على ما يشاؤون من أخبار بصورة فورية ومجانية. وكل هذا ترافق في الوقت ذاته مع تقلص في العائدات الإعلانية للصحف التقليدية، لمصلحة وسائل إعلامية أكثر انتشاراً، منها الصحافة المجانية، إضافة الى التلفزيون والانترنت. وكانت غالبية صحف فرنسا بدأت جهوداً بالغة للتكليف مع تراجع مبيعاتها قبل الأزمة والحفاظ على وجودها عبر اعتماد سلسلة من التغييرات من حيث الشكل وطريقة التعامل مع الأحداث والوقائع. كما اضطرت الى اللجوء الى رساميل خاصة ومتمولين كبار لتعويم أوضاعها المالية بما يتيح لها المضي في نشاطها. لكن الأزمة الاقتصادية جاءت لتبدد الى حد ما هذه الجهود، فارضة على الصحف عموماً المزيد من الانحسار في عدد القراء وأيضاً في عائدات الإعلانات. وفي كل هذه الأجواء، يتخوف العاملون في الصحف عموماً من اضطرار إداراتها الى اللجوء الى خطط صرف قد تكون طوعية أو غير طوعية، للتخفيف من أعباء تكاليفها. ويأمل هؤلاء بأن يتمكنوا من اجتياز الأزمة، بالحد الأدنى من الأضرار، وألا تطاول عدوى الإغلاق الذي تصيب منذ مدة الصحف الأميركية، سوق الصحافة الفرنسية.