ثمة مساران شبه متوازيين، حالياً، في التعامل مع القضية الفلسطينية. الاول عبر «اساطيل الحرية» وترعاه تركيا. والآخر عبر المفاوضات غير المباشرة وترعاه الولاياتالمتحدة. لقد أثار مسار «اساطيل الحرية» ضجة عالمية كبيرة، بما في ذلك صدور بيان رئاسي من مجلس الأمن، نظراً الى الوحشية التي تعاملت بها اسرائيل مع سفن مدنية تقل متضامين ومساعدات انسانية الى قطاع غزة، ونظراً الى ان تركيا الدولة ارتطبت طويلا بعلاقة استثنائية الأهمية مع اسرائيل وتسعى اليوم الى موازنة علاقاتها الشرق اوسطية. ويبدو أن اطرافاً كثراً في الشرق الاوسط التحقوا بهذا المسار، سواء عبر اعلان تسيير سفن مماثلة او عبر التضامن مع تركيا والإشادة بخطواتها التصعيدية ازاء اسرائيل، وصولاً الى اشراكها في مساعي المصالحة الفلسطينية. بالتأكيد، أن انضمام تركيا الى المواقف المناهضة لإسرائيل وربطها معاودة العلاقة الطبيعية معها بخطوات إسرائيلية إزاء الفلسطينيين وحقوقهم الانسانية والسياسية، إضافة جدية الى الجبهة العربية. لكن مسار «اساطيل الحرية» قد ينزلق الى ما يشكل خطراً على القضية الفلسطينية، سواء عن قصد او غير قصد. اذ ثمة توجه، لدى المتحمسين لهذا المسار، الى استثمار موجة التعاطف العالمي مع الوضع الانساني البائس في غزة في الدعاية السياسية لحركة «حماس» حاكمة القطاع، وتلخيص القضية الفلسطينية برفع الحصار الإسرائيلي الحالي عنه. ونسمع حالياً، في شأن البدائل المطروحة لإيصال المساعدات الانسانية، حديثاً من قادة من «حماس» ومن متعاطفين مع الحركة، عن سيادتها واستقلال قرارها. بما يوحي ان المهمة الحالية المرتبطة بمضاعفات «اساطيل الحرية» هي تأكيد هذا التوجه مع ما ينطوي عليه من موجبات دعم «دولة غزة» بقيادة «حماس»، خصوصاً بعدما سعت الحركة، منذ استيلائها على القطاع ونتيجة فشل العدوان الإسرائيلي عليه، الى إحكام سيطرتها السياسية بعد الأمنية على غزة. ان رفع الحصار الإسرائيلي عن الفلسطينيين، على رغم وحشيته ومآسيه، لا يختصر حل القضية الفلسطينية. ولا يمكن ان يكون علاجاً للوضع في الضفة الغربيةوالقدس حيث يقاسي السكان كل اشكال القهر والإذلال والحرمان بفعل الاحتلال. والمطلب الشرعي برفع حصار الاحتلال عن القطاع يوازيه في الأهمية السياسية رفع ممارسات الاحتلال في الضفة... والا نقع في خطر التمسك ب «دولة غزة المستقلة» على حساب اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في القطاع والضفة عاصمتها القدس. وفي سبيل إيجاد حل سلمي على اساس الدولتين، ترعى الولاياتالمتحدة عبر مبعوث رئاسي، مفاوضات غير مباشرة بين السلطة واسرائيل. وبغض النظر عن احتمالات ان تصل هذه المفاوضات الى النتيجة المطلوبة، لا بد من ملاحظة ان الوسيط الاميركي هو حالياً في موقع بعيد عن إسرائيل أكثر من اي وقت مضى. اي ان الادارة الحالية لا تلتصق بالكامل بالموقف الإسرائيلي وان كانت لا تتبنى الموقف الفلسطيني. واذا كان من الصعب وصف موقفها بالحياد او بالتخلي عن تأييد إسرائيل، فإنها عبرت في اكثر من مناسبة عن امتعاض من السياسة الاسرائيلية وتبنت وجهات نظر مغايرة جلبت عليها نقمة اللوبي الصهيوني. لقد دفعت واشنطن الحكومة اليمينية الاسرائيلية الحالية الى قبول المفاوضات غير المباشرة، بعد سلسلة مواقف تعارض السياسة الاسرائيلية، من قضية الاستيطان الى الموافقة على بيان مؤتمر جعل الشرق الاوسط منطقة خالية من السلاح النووي، ودعوة اسرائيل، بالاسم، الى الانضمام الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وصولا الى الموافقة على البيان الرئاسي لمجلس الأمن في شأن الاعتداء على «اسطول الحرية». ومسار المفاوضات غير المباشرة، على رغم عدم التفاؤل بحصيلته، يظل يتعامل مع جدول اعمال يركز على اقامة الدولة الفلسطينية، اي يتعامل مع القضية ككل، وليس مجرد حل لمشكلة محددة في هذه القضية. المساران حالياً شبه متوازيين، والخطورة على القضية الفلسطينية هي اعتبار ان احدهما يشكل بديلا من الآخر، او ان اياً منهما وحده يؤسس للحل. وعدم بذل الجهود لإيجاد صيغة لتلاقيهما لن يكون في مصلحة القضية الواحدة.