دعا الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف إلى استخلاص الدروس من نتائج الحرب العالمية الثانية. واستغل احتفالات روسيا بعيد النصر على النازية لتوجيه رسائل سياسية، معتبراً أن انتصار الاتحاد السوفياتي في أيار (مايو) 1945، لا يزال يحمل دلالات مهمة بعد مرور 64 عاماً «لأننا لا نزال نرى من يقوم بمغامرات عسكرية حتى الآن»، و «جلي أنه من دون مراعاة القانون الدولي لا يمكن ضمان الأمن والسلام في العالم». وحضر ميدفيديف مع أركان القيادتين السياسية والعسكرية عرضاً عسكرياً أقيم أمس في الساحة الحمراء في موسكو، في مشهد ذكّر بالقادة السوفيات الذين كانوا يستعرضون من فوق ضريح مؤسس الدولة فلاديمير لينين أحدث التقنيات العسكرية. مع فارق واحد، هو أن زعماء روسياالجديدة يفضلون الوقوف على منصة خاصة تحجب ضريح لينين عن الأنظار. وللعام الثاني على التوالي استعادت روسيا تقليد إحياء العروض العسكرية الكبرى في ساحتها الرئيسة قرب الكرملين. وكانت عادت الى اعتماد تقليد عرض عضلاتها العسكرية العام الماضي، بعد انقطاع لمدة 18 عاماً في أعقاب انهيار الدولة العظمى. وبدأت مراسم العرض أمس، بمرور «راية النصر» التي رفعت قبل 64 عاماً في برلين أمام المنصة. وشارك في العرض نحو 9 آلاف من أفراد القوات المسلحة. واجتازت الساحة الحمراء مئات الآليات والمعدات الحربية الحديثة، بينها دبابات ومصفحات وأنظمة صاروخية متطورة مثل «أس400» إضافة إلى راجمات مضادة للجو من طرز «سميرتش» و «غراد» و «أوراغان». وحلقت في الوقت ذاته في سماء العاصمة الروسية عشرات المقاتلات والمروحيات، بينها نماذج حديثة من طائرات «سوخوي» و «ميغ» و «توبوليف». كما قدمت الطائرة الإستراتيجية «ان-124» التي يطلق الروس عليها تسمية «رسلان»، وهي أضخم طائرة في العالم، عرضاً لإمكاناتها، إضافة الى أقوى الصواريخ الإستراتيجية العابرة للقارات من طراز «توبول». وتعتبر المناسبة «بروفة» للعرض الأكبر الذي يتم التحضير له للعام المقبل لمناسبة مرور 65 سنة على النصر. وذكر ميدفيديف أن موسكو تنوي دعوة حلفائها من قادة الجمهوريات السوفياتية السابقة الى حضوره، مع عدد كبير من قادة العالم. وأعلن ميدفيديف في خطاب حماسي افتتح به الاحتفال أن «أيار (مايو) 1945 لم يجلب النصر الى روسيا وحسب، بل حمّلها المسؤولية عن السلام في العالم كله». وزاد: «لن ننسى أبداً الملاحم الضارية دفاعاً عن موسكو وستالينغراد، وحصار لينينغراد على مدى 900 يوم، وملحمة كورسك والمعارك الشرسة من أجل تحرير أوروبا، ولن ننسى مآثر الأنصار والمجندين، ونكران الذات الذي تحلّى به من كان يعمل في الخطوط الخلفية»، معتبراً أن الانتصار على النازية «مثال ودرس عظيمان للشعوب كلها». وأكد ميدفيديف أن «دروس الانتصار العظيم على الفاشية لا تزال حية حتى في يومنا الراهن، عندما نجد مجدداً من يقوم بمغامرات حربية... وجلي الآن أكثر من أي وقت آخر أن السلام والأمن لا يستتبان إلا في ظل مراعاة قواعد القانون الدولي». وشدد ميدفيديف على أن «أي اعتداء على مواطني روسيا سيلقى رداً مناسباً». وتزامنت احتفالات روسيا بعيد النصر مع مرور سنة على تولي ميدفيديف مقاليد السلطة. واعتبر خبراء روس أن أحداث هذه السنة شكلت اختباراً صعباً للرئيس الجديد، خصوصاً أنه استهل عهده بمواجهة أزمة القوقاز التي فجّرت الحرب الروسية - الجورجية في آب (أغسطس) الماضي، وتبعاتها الديبلوماسية بعدما اعترفت روسيا، على رغم الانتقادات الغربية القوية، بانفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا. ولفت خبراء إلى أن تداعيات أزمة الصيف الماضي لا تزال تشكّل التحدي الأكبر أمام الكرملين، خصوصاً بسبب تدهور العلاقات مع حلف الأطلسي، وتوتر العلاقات الروسية - الأوروبية. كما شكلت الأزمة المالية وتداعياتها الداخلية اختباراً آخر لقدرات ميدفيديف على إدارة شؤون البلاد. وأصبح هذا الملف الأكثر صعوبة إذ اعترف ميدفيديف قبل أيام بفشل التدابير المتخذة حتى الآن لتخفيف آثار الأزمة على رغم إنفاق نحو 175 بليون دولار خلال السنة الأخيرة. وتبقى مسألة إزدواجية السلطة في روسيا العنصر الأبرز للمناقشات في أوساط الخبراء والمراقبين، خصوصاً بعدما برز تباين في تعاطي الرئاسة والحكومة بقيادة فلاديمير بوتين مع ملفات الأزمة المالية. واعتبر بعضهم أن المناقلات والتعيينات الجديدة التي جرت أخيراً في روسيا بين حكام الأقاليم ورؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية ربما تعكس ميل الرئيس ميدفيديف إلى الشروع في تحرّك لفرض سيطرة أقوى على البلاد، على حساب فريق بوتين الذي أوصله إلى الكرملين قبل عام.