لم أرَ مغروراً خلال هذا المونديال أكثر من الإنكليز الذين باعوا جلد الدب قبل صيده، أي أنهم عادوا إلى شوارع لندن حاملين الكأس وهاتفين بحياة الملكة وكابيلو وروني... وأقل ما يقال عن هذا الشعور بالتفوق سوى أنه نوع من الغرور الذي لا حدود له، فالصحافة الإنكليزية بلا استثناء، وبلا حياء، تنظر إلى مجموعة إنكلترا التي تضم الجزائر والولايات المتحدة وسلوفينيا، على أنها لا تعني شيئاً بالنسبة إلى رفاق لامبارد الذين سيمرون على هذه المنتخبات مرور الجرافات على مزارع هشة، بل إن كل الكلام الصادر من عاصمة الضباب يجزم بما لا يدع مجالاً للشك أو الريبة أن كأس مانديلا لن تأخذ مساراً آخر سوى طريق الملكة إليزابيث، ويقول بعض خبراء الكرة الإنكليزية، إن إنكلترا لم تعرف منتخباً قوياً ومتماسكاً منذ أربعين عاماً، أي منذ مونديال 1966 الذي يشهد كل العالم أن فوز رفاق بوبي مور آنذاك بالكأس الثامنة كان مجروحاً بهدف مشكوك فيه إلى اليوم... فالألمان الذين أدَّبوا الإنكليز في الحرب العالمية الثانية لولا اجتماع الحلفاء، انتقموا بالجلد المنفوخ، وفرحوا بكأس أسالت حبراً كثيراً، وظلت إنكلترا موطن الكرة تنجب منتخباً وراء آخر، وتتأهل دورة بعد أخرى، وتمني النفس بالحصول على لقب آخر، إلا أنها كانت في كل مرة تخرج من المولد بلا حمص، وتعود بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها، وتعد العدة للدورة القادمة، غير أن هذه الدورة شهدت بروز لغة الثقة المفرطة التي هي أشبه بالغرور، تقصي كل المنتخبات المرشحة بما فيها إسبانيا والبرازيل والأرجنتين وإيطاليا وألمانيا، ولا ترى فائزاً إلا إنكلترا وكأنها ستواجه نفسها في المرآة... ولعل مرد هذا الشعور المفعم بالغرور، كون 20 في المئة من اللاعبين الذين سيشاركون في المونديال ممثلين لمنتخبات عدة يلعبون في الدوري الإنكليزي، وأن أفضل اللاعبين الإنكليز هم الذين نجح في جمعهم الإيطالي فابيو كابيلو وشكل منهم فريقاً لا يقهر، ورأى الإنكليز أن فوزهم على غيرهم في المباريات البيضاء، يؤكد أنهم الأفضل، لأن منافسيهم من النوع الذي اعتاد الخسارة بالثلاثة، وليت الأمر يكون فيه بعض التواضع، لأن الإنكليز لم يحفظوا الدرس الألماني في العام 1982 حين خرج نجوم ألمانيا آنذاك يطلقون تصريحات من نوع سأهدي الهدف الثامن لزوجتي في عيد ميلادها، وسأحلق لحيتي إن فاز علينا الجزائريون، وسأتوقف عن التدريب إن هزمني فريق نكرة، وظل الألمان ينظرون إلى الجزائريين البسطاء من برجٍ عالٍ، وانتهوا إلى خسارة مذلة اهتزت لها أرجاء ألمانيا والعالم كله، وليتني أعثر على مترجم جيد للأدب العربي فأعطيه بيتاً من الشعر يقول: ولا تحتقر كيد الضعيف فربما ... تموت الأفاعي من سموم العقارب ليقرأه كابيلو إن كان يشاطر الإنكليز غرورهم، ويتمعن فيه ممن تمكن منهم هذا الإحساس الجارف بهزم الجميع والعودة بالكأس على رغم أنف ميسي وروبينيو وفيا ورونالدو وزياني. وشخصياً أرى أن الإنكليز بمثل هذا التعالي فقدوا نصف حظوظهم في الفوز بالكأس، أما النصف الآخر فهو بيد «حلفائهم» الأمريكان، وخصومهم الجزائريين، ومنافسيهم السلوفينيين، هذا حساب الدور الأول إن كان هناك دور ثانٍ يفرغ فيه الإنكليز... غرورهم. [email protected]