حسناً... جاءت ردود محطات التلفزة العربية على الجريمة الإسرائيلية الأخيرة كالعادة: صراخ وتهديد وفضح وتنديد، وخطابات عصماء تدنو من حدود «الزجل» على حد تعبير احد السياسيين اللبنانيين. وفي النهاية بدا أمر الجريمة وكأنه مباغت جديد من نوعه، فاجأ المجتمع الدولي، ما اضطر رجل دين لبناني كبير، الى التذكير بأن هذه ليست المرة الأولى التي تقدم فيها اسرائيل على جرائم من هذا النوع... وطبعاً لا نود هنا الخوض في أي سجال حول هذا الموضوع ولا حول التدخل التركي في الأمر، والذي يبدو أنه، هذه المرة، كان هو لب المسألة وقضيتها. ما نود قوله - أو اقتراحه، إذا شئتم، هنا - هو الآتي: إذا كانت الجرائم التي تقترفها السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، أقل اثارة لاهتمام الرأي العام العالمي (كما لاحظنا في السنوات الأخيرة، وتحديداً لأن «الخصم» فيها صوفته حمراء وهو المدعوم من ايران التي لا تشكل هنا الخصم المثالي القادر على الإضرار بسمعة اسرائيل مهما كان حجم الجريمة وهولها. ولأسباب باتت معروفة)، من الجرائم التي ترتكبها ضد ناشطين أجانب يناصرون القضية الفلسطينية، يبدو لنا مهماً في هذه الأيام بالتحديد، أن نضرب بقوة على هذا الوتر... وعبر نشاطات وخطابات عدة، لعل أهمها يكمن (وهذا هو الاقتراح)، في قيام الشاشات الصغيرة العربية جميعاً، اضافة الى ما يتوافر من شاشات صديقة أو منصفة، بعرض فيلم واحد في ساعة معينة واحدة... فيلم من المؤكد ان اطلالته على هذا النحو، وربما في الوقت نفسه الذي تنطلق فيه السفينة «راشيل كوري» في محاولة جديدة لإيصال العون الإنساني الى غزة - كما هو معلن، ستكون فاعلة ومهمة. وهذا الفيلم هو بالتحديد «راشيل» للمخرجة الفرنسية، من أصل مغربي، سيمون بيتون، والمعروفة بكونها سينمائية منشقة عن اسرائيل لا تتوقف منذ ربع قرن وربما أكثر عن النضال ضد عنصرية الدولة العبرية، فاضحة ممارساتها العنفية والقمعية، وتحديداً منذ أدخلت في فيلم لها عن الانتفاضة الأولى صورة الجنود الإسرائيليين وهم يكسرون ذراع فتى فلسطيني. أما فيلم «راشيل» الذي نعتقد بأن عرضه الجماعي سيكون أبلغ من ألف خطبة سياسية وثرثرة اعلامية، فهو ذاك الذي يروي خلال ساعة حكاية المناضلة الأميركية راشيل كوري التي سحقتها بولدوزرات الجيش الإسرائيلي من دون رحمة وحتى الموت، فيما كانت تدافع عن الأرض الفلسطينية في غزة وحق الفلسطينيين في هذه الأرض. قد تكون حكاية «راشيل» أصغر كثيراً من حكاية أسطول الحرية... لكن الفيلم الذي حققته بيتون عنها يتجاوز كل خطاب وكل شتيمة، ليقول ما لم يتمكن لسان عربي من قوله... على التلفزة. وفي يقيننا ان عرض هذا الفيلم سيكون حدثاً اعلامياً كبيراً، في وجه هكذا جريمة ترتكبها القوات الإسرائيلية ثم تحاول لفلفتها.