بات تحمّل الرجل لمسؤوليات المنزل وحده أمراً شبه مستحيل في لبنان، فمع غلاء المعيشة وتزايد المتطلبات أصبح عمل المرأة أكثر من ضروري، والعائلة الناجحة والمستقرة باتت ترتبط فعلاً بعمل الزوجة وقدرتها في المساهمة المالية. وأضحى هذا الأمر من العناصر الأساسية لتأسيس أسرة عند فئة الشباب، لكن العوائق تظهر عند النساء الأكبر سنّاً اللواتي لم يستطعن الدراسة وتحصيل شهادات تحظى بها فتيات اليوم. وهنّ يشعرن في الوقت عينه بالحاجة الماسة للعمل ليس فقط لتحسين وضع الأسرة المالي بل لتعزيز ثقتهن بأنفسهن، وإثبات قدراتهن التي تبقى مهمّشة في حال بقيت المرأة ربة منزل فقط. إلا أنّ إدماج هذه الفئة من النساء بالذات في القوى العاملة أمر ليس سهلاً ويتطلّب تدريباً على المهارات وورش عمل مكثفة لكي تكون المرأة قادرة فعلاً على دخول سوق العمل وتبحث عن وظيفة تلائم حاجاتها وإمكاناتها. وهذا ما يحصل اليوم فعلاً من خلال نشاط جمعيات أهلية تبرّهن أنّها قادرة على تغيير الأوضاع الاجتماعية للمرأة اللبنانية، في وقت تبقى الدولة والسلطة الرسمية غائبتين عن هذا الشأن. جمعية «بسمة» الخيرية نموذج ناجح لهذه الجمعيات الناشطة في مجال تمكين المرأة، وقد استطاعت من خلال برنامج تدريبي مكثّف مؤلّف من 12 جلسة، أن تخرّج الدفعة الأولى من بين خمس مجموعات من النساء لكي ينضممن إلى القوى العاملة بعد تجهيزهن بالكامل. كسر سلسلة الفقر ففي جلسات التدريب التي نظمتها الجمعية شاركت نساء رائدات في قطاع الأعمال حاضرن في مواضيع متعددة كتطوير المهارات الشخصية، التوجيه والاستعداد، العمليات الحسابية، التواصل ومهارات التنظيم. كما خصص درس مميز يشرح التفاصيل المتعلّقة بالقرض الصغير. وقد تخرّجت 25 سيدة من الدفعة الأولى، وأصبحن مؤهلات للبحث عن وظيفة عبر مكاتب التوظيف في الجمعية، فضلاً عن التعاون مع الشركات الخاصة التي تعتمد مبادئ المسؤولية الاجتماعية المحفّزة لدعم عدد من فئات المجتمع غير المتمكنة مهنياً. وتشرح المساعدة الاجتماعية ألن الخوري ل»الحياة» أنّ البرنامج مخصص للنساء من الأسر المحدودة الإمكانات، لا سيما العائلات التي تكون فيها الأم مسؤولة عن مصير أسرتها بسبب فقدان الأب. ويُعمل من قرب مع النساء لتطوير مهاراتهن العقلية والمهنية وتجهيزهن بالإمكانات التي يحتجنها للبحث عن وظيفة والتقدّم لها والحصول عليها. ولا تترك «بسمة» النساء في نصف الدرب، بل هناك مكتب توظيف يساعدهن على إيجاد الوظيفة المناسبة، كل سيدة بحسب قدراتها وطاقاتها. وتؤكد الخوري وجود حاجة في السوق للنساء العاملات في مهن بسيطة، خصوصاً أنّهن متعطشات لذلك ويمكن أن يكون دورهن فاعلاً في الوظيفة التي تسند إليهن. أمّا بالنسبة للتأثير الاجتماعي، فترى الخوري أنّه لا يمكن كسر سلسلة الفقر إلا من خلال هذه البرامج، لأنّه لا يمكن التساؤل عن سبب مكوث المرأة في منزلها من دون عمل في وقت لم تتعلّم فيه المهارات الأساسية للتقدّم لوظيفة. واجبات وحقوق رلى كرم لحود من اللواتي شاركن وتخرّجن من برنامج «بسمة» لتمكين المرأة. وهي تظهر تعطّشها للعمل منذ أول سؤال يوجّه لها عن البرنامج. فتؤكّد عدم قدرة زوجها تحمّل مسؤوليات الأسرة كلها مع الأوضاع المعيشية الضاغطة، وبالتالي فإنّ عملها ضروري لكنّها لم تعرف كيف يمكنها الدخول إلى سوق العمل حتّى شاركت في برنامج «بسمة». فاستطاعت أن تحقق أقصى استفادة من النساء الرائدات اللواتي قدمِن للتدريب. وهي تنصح كل سيدة بأن تشارك في مثل هذا البرنامج لأنّ المعرفة التي ستكتسبها كبيرة جداً، وستساعدها على تحديد هدفها المهني وبلوغه. وأبرز ما لفت كرم في البرنامج التركيز على حقوق المرأة العاملة، التي من المهم أن تعلمها لكي لا تستغل، بل تقوم بواجباتها لتحصل على حقوقها أيضاً. ويمثّل تخرّج الدفعة الأولى من برنامج «بسمة» بداية جديدة لمشاركات فيه، فقد تبدّلت أفكارهن عن العمل وكذلك مقاربتهن للمواضيع. فربما تبتسم الحياة لهن ولو بعد حين، ويجدن أنفسهن عاملات قادرات على دعم أسرهن اقتصادياً والشعور بالاعتزاز بما حققنه بعدما اعتقدن أنّ ذلك مستحيل.