واصل الجيش السوري وحلفاؤه أمس الإثنين تمشيط مدينة تدمر الاستراتيجية في ريف حمص الشرقي بعد يوم من السيطرة الكاملة عليها، وسط تقارير عن وجود عناصر من تنظيم «داعش» ما زالوا مختبئين فيها. وشن هذا التنظيم هجوماً مفاجئاً أمس على كتيبة المدفعية القريبة من مطار «التيفور» العسكري على طريق حمص - تدمر، وأعلن سيطرته عليها، ما يؤكد أن «داعش» ما زال قادراً على شن هجمات في ريف حمص على رغم نكسته الكبيرة في تدمر المعروفة ب «لؤلؤة البادية». وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان (مقره بريطانيا) إلى استمرار «الاشتباكات العنيفة» بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، وعناصر «داعش» من جهة أخرى، في الريف الشمالي الشرقي لمدينة تدمر التي استعادتها القوات الحكومية يوم الأحد بعدما سيطر عليها «داعش» قرابة سنة (منذ أيار/مايو 2015). وتابع أن الاشتباكات «ترافقت مع قصف طائرات حربية روسية وسورية على مناطق الاشتباك، في حين لا يزال بعض العناصر من التنظيم متوارين عن الانظار داخل المدينة، وسط استمرار قوات النظام بتفكيك الالغام داخلها». وتحدث المرصد أيضاً عن «معلومات عن البدء بإعادة استخدام مطار تدمر العسكري من قبل المروحيات العسكرية» بعد استعادة السيطرة على المطار الأحد. أما في مدينة القريتين في ريف حمص الجنوبي الشرقي، فقد سجّل المرصد «اشتباكات عنيفة» بين قوات النظام وبين عناصر «داعش» في «محيط المدينة» و «انباء عن تقدم جديد لقوات النظام في عدة تلال في المنطقة، ترافق مع قصف طائرات حربية روسية وسورية على مناطق في المدينة ومناطق الاشتباك». وقال مصدر عسكري سوري لوكالة «فرانس برس» أمس: «يعمل الجيش السوري أولاً على تأمين محيط مدينة تدمر في شكل خاص وريف حمص الشرقي في شكل عام، وثانياً على القضاء على المسلحين الذين هربوا الى المناطق القريبة من تدمر». وأضاف أن الجيش «ارسل حشوداً الى مدينة القريتين وبدأت صباح اليوم (أمس) العملية العسكرية هناك»، مؤكداً أن المدينة «تشكل الوجهة القادمة للجيش» غداة سيطرته على تدمر. وتابع: «العين حالياً على منطقة السخنة التي انسحب اليها تنظيم داعش من تدمر» لكن «العملية العسكرية لم تبدأ فعلياً على الأرض بعد». وفي الإطار ذاته، قال مدير المرصد السوري رامي عبدالرحمن ل «فرانس برس»: «تستعد قوات النظام والمسلحون الموالون لها بدعم جوي روسي، لشن هجوم جديد باتجاه مدينة القريتين الواقعة جنوب غربي تدمر والسخنة شمال شرقي تدمر»، وأشار الى «معارك عنيفة تدور على أطراف مدينة القريتين حيث يسعى الجيش الى حماية أطراف تدمر لمنع التنظيم من العودة اليها مجدداً». ووفق المرصد، في حال تمكن الجيش من السيطرة على مدينة السخنة، يصبح بإمكانه التقدم الى مشارف محافظة دير الزور (شرق) التي يسيطر تنظيم «داعش» على معظمها. وفي الوقت ذاته، فإن سيطرة وحدات الجيش على بلدة الكوم الواقعة في شمال شرقي تدمر تمكنه من الوصول الى تخوم محافظة الرقة (شمال) أبرز معاقل التنظيم في سورية. وأعلنت القيادة العامة للجيش في بيان الأحد ان «السيطرة على مدينة تدمر تشكل قاعدة ارتكاز لتوسيع العمليات العسكرية التي تخوضها قواتنا المسلحة الباسلة ضد التنظيم الإرهابي على محاور واتجاهات عدة أبرزها دير الزور والرقة». ويبقى أمام الجيش النظامي حالياً طرد عناصر التنظيم من بلدة العليانية الواقعة على بعد ستين كيلومتراً جنوباً لاستعادة البادية السورية بالكامل والتقدم نحو الحدود العراقية التي يخضع الجزء الأكبر منها لسيطرة التنظيم. ويقول توماس بييريه الباحث في شؤون الاسلام المعاصر في سورية في جامعة ادنبرة ل «فرانس برس» إن «من المؤكد أن داعش بات أكثر ضعفاً من الماضي وسيقاتل مع اصرار أكبر للاحتفاظ بكل من الرقة ابرز معاقله في سورية، ودير الزور اكبر المدن التي يسيطر عليها في سورية وبوابته نحو العراق». وأضاف: «لم تكن تدمر في المحصلة اكثر من بوابة» عبور. وغداة طرد «داعش» منها، بدت تدمر أشبه بمدينة «أشباح» وخلت من المدنيين الذين فر معظمهم في الأيام الأخيرة جراء الاشتباكات العنيفة بين الجيش وعناصر التنظيم والتي تبدو آثارها واضحة على الأبنية والمنازل في الأحياء السكنية. وعملت وحدات الجيش السوري الاثنين على تفجير الألغام والعبوات التي خلفها التنظيم وراءه في الأحياء السكنية والمدينة الاثرية في تدمر. ووفق المصدر العسكري، تم تفجير «أكثر من خمسين عبوة ولغم» منذ الأحد. في المقابل، أوردت «وكالة أعماق» التابعة ل «داعش» أن التنظيم اقتحم أمس «كتيبة دبابات المهجورة» الواقعة على بعد 10 كلم شمال غربي مطار «التيفور» في ريف حمص الشرقي. وأضافت «أعماق» أن المهاجمين «تمكنوا من السيطرة على الكتيبة إضافة إلى حاجز مجاور لها وقتل جميع عناصر النظام فيهما والذين بلغ عددهم 23 عنصراً من بينهم عناصر قُتلوا بقصف جوي روسي خاطئ». وزادت أنهم غنموا أسلحة وصواريخ مضادة للدروع وذخائر «قبل أن يعودوا ويتراجعوا من الكتيبة»، علماً أن «داعش» سبق له وأن هاجمها في 26 آذار (مارس) من العام الماضي. وفي محافظة حماة المجاورة، أكد المرصد مقتل أربعة أشخاص هم 3 مواطنات ورجل من عائلة واحدة «جراء قصف طائرات حربية على مناطق في ناحية عقيربات بريف حماة الشرقي» ليلة الأحد. أما وكالة الأنباء السورية «سانا» فأشارت إلى أن وحدات من الجيش النظامي قضت «على آخر تجمعات إرهابيي داعش في موقعين غرب سد عقارب وتبارة الديبة شرق مدينة حماة بنحو 31 كلم ودمرت لهم 3 عربات مزودة برشاشات ثقيلة»، مضيفة أن وحدة أخرى من الجيش نفّذت «عملية صباح اليوم (أمس) على تجمع لإرهابيي تنظيم جبهة النصرة ... في قرية المنصورة (سهل الغاب) بريف حماة الشمالي الغربي». أما في إدلب (شمال غربي سورية)، فقد لفت المرصد إلى أن قوات النظام قصفت ريف جسر الشغور الغربي، بدون معلومات عن خسائر بشرية. وفي محافظة درعا بجنوب البلاد، قال المرصد إن الانفجار الذي سمع دويه في منطقة معسكر زيزون بريف درعا الغربي «ناجم عن انفجار دراجة نارية مفخخة قرب سيارتين تابعتين لجبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام)، ولم ترد معلومات عن الخسائر البشرية». ومعلوم أن ريف درعا الغربي يشهد اشتباكات بين «النصرة» وفصائل أخرى تابعة ل «الجيش الحر» وبين مجموعات موالية لتنظيم «داعش» مثل «لواء شهداء اليرموك» و «حركة المثنى الإسلامية». وفي ريف دمشق، ذكر المرصد أن اشتباكات عنيفة تدور بين قوات النظام وبين الفصائل الإسلامية و «جبهة النصرة» في محيط بلدتي بالا وزبدين بالغوطة الشرقية، «وسط تقدم لقوات النظام» التي كانت قد سيطرت أول من أمس على موقع عسكري مهم في بالا وباتت تهدد بتقطيع أوصال الغوطة الشرقية وتضييق الحصار على مواقع المعارضة في بلداتها. وأضاف المرصد أن مسلحين مجهولين حاولوا صباح أمس اغتيال «القاضي الأول في الغوطة الشرقية» سابقاً الشيخ خالد طيفور، حيث أطلقوا النار على سيارته على الطريق الواصل بين بلدتي مسرابا وحمورية في الغوطة الشرقية ما أدى إلى إصابته بجروح ومقتل مرافقه. في غضون ذلك، دارت اشتباكات عنيفة بين تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة» في منطقة القلمون على الحدود - اللبنانية - السورية، ما أدى إلى مقتل 18 من الطرفين (10 من «النصرة» و8 من «داعش»). وأورد «الإعلام الحربي» التابع ل «حزب الله»، من جهته، أن الاشتباكات بين الطرفين دارت داخل الحدود اللبنانية وتحديداً في جرود عرسال ورأس بعلبك في البقاع الشمالي واستخدمت فيها أسلحة خفيفة وثقيلة، موضحاً أن «داعش» شن في ساعات الصباح هجوماً على مواقع ومراكز «النصرة» وقتل وجرح عدداً من عناصرها. وتابع أن «مجموعات كبيرة من جبهة النصرة بقيادة ابو مالك التلي شنّت هجوماً مضاداً بعد استقدام تعزيزات لاستعادة مواقع خسرتها الجبهة بين الزمراني والعجرم وقرنة الحشيشات والملاهي ووادي شبيب».