قلم الرصاص فتح الأبواب على عالم يرسم بالكلمات ويتهجأ بالحروف، قلم علمنا الكتابة والرسم وأقام صداقة متينة مع المبراة والممحاة، وكانت صورته مطبوعة على الدفاتر والحقائب المدرسية. قلم الرصاص هو الافتنان الأول في فضاء الورقة التي كتبنا عليها أسماءنا وأجمل القصائد والقصص ورسائل الحب. عندما كنا نستخدم قلم الرصاص في المدرسة، كنا نشعر براحة كبيرة وطمأنينة لأن هذا القلم ببساطته يعطينا فرصة لتصحيح خطأ ارتكبناه ومسحه نهائياً. لهذا القلم سنوات طويلة من العطاء بدأت تتراجع أمام عالم الكومبيوتر والتكنولوجيا التي قوّضت عمله ووضعته في خانة الجيل القديم، إلا أن مسيرته لم تنته، وأُنشئت في الولاياتالمتحدة جمعية اسمها «يا محبي قلم الرصاص... اتحدوا» بهدف الحفاظ على هذه الأيقونة ومنعها من «الانقراض». لذلك، اختارت هذه الجمعية يوم 30 آذار (مارس) يوماً عالمياً لقلم الرصاص. هو ليس الأداة الأولى التي استخدمها البشر للكتابة، إذ كانوا يستعملون ريشة أو قصبة مغموسة بحبر خلال القرون القديمة، وقبل ذلك، كان الرومان خصوصاً يستخدمون عوداً معدنياً للكتابة على ورق البردي، فكان يترك أثراً خفيفاً لكنه مقروء. ثم استخدموا الرصاص لخط أكثر وضوحاً، ومن هنا اتخذ القلم تسميته مع انه مصنوع من الكربون والغرافيت. فعام 1565، اكتُشفت كميات ضخمة من الغرافيت في مقاطعة كمبريا الانكليزية وكانت بحالة نقية جداً وصلبة بحيث تُقطع في شكل أعواد رفيعة. وفي ذلك الوقت، اعتبرت مادة الغرافيت نوعاً من الرصاص لوجه الشبه الكبير بينها وبين المادة السوداء. فبدأت عمليات البحث عن الغرافيت لاستخراجها وبيعها وتحقيق الأرباح الوفيرة. إلا أن عائقاً صغيراً وقف بوجه الساعين إلى امتهان التجارة الجديدة، تمثّل بأن عود الغرافيت كان ينكسر بسهولة فكانت هناك حاجة إلى غلاف يحميه من الكسر. لذلك، لفّت تلك الأعواد أولاً بجلود الأغنام، ثم ابتكر الايطاليان سيمونيو ولينديانا بيرناكوتي علبة خشب مستطيلة وبيضوية في آن واحد لتغليف الأعواد. انتشرت أخبار أقلام الرصاص وفوائدها خارج انكلترا التي كانت تستمتع باحتكار إنتاج السلعة «الذهبية»، حتى توصلت مدينة نورمبرغ الألمانية عام 1662 إلى ابتكار مسحوق مكون من مواد الغرافيت والكبريت والانتيمون، يقدر على تأدية مهمة أعواد الغرافيت النقية وبكلفة أقل. ومن المانيا انتشر قلم الرصاص بمكونه الجديد إلى فرنسا والنمسا وبلدان أوروبية أخرى ثم إلى الولاياتالمتحدة. استخدم قلم الرصاص فنانون وكتاب ورسامون وجهات حكومية، إلا انهم كانوا يعانون عندما يخطئون في الكتابة أو الرسم، إذ كانوا يجهدون لتصحيح الخطأ ويمحونه بفتات الخبز. لذلك أضاف الجامايكي الانكليزي الأصل هايمان ليبمان ممحاة في مؤخر القلم عام 1858 وحصل عن ابتكاره على براءة اختراع باعها لجوزف ريكيندورفر ب 100 ألف دولار. تختلف أنواع أقلام الرصاص وألوان الطلاء التي تغلفها، فمثلاً الأقلام المصنعة في الولاياتالمتحدة مطلية باللون الأصفر للدلالة على جودتها. فوفقاً للمهندس الاميركي هنري بتروسكي، بدأت تلك العادة عام 1890 عندما كانت شركة نمسوية تنتج أجود أنواع أقلام الرصاص وأطلقت عليها اسم «Koh-I-Noor» (كحل النور) على اسم ماسة، فكانت كل الأقلام في ذلك الوقت مطلية بألوان داكنة، وبهدف التميز طليت هذه الأقلام «النفيسة» بالأصفر، فأصبحت الأقلام الصفراء تدل على الجودة. لكن الأخيرة لا تقتصر على الأصفر، ففي ألمانيا والبرازيل اللتين تعرفان بجودة أقلامهما، يستعمل الأسود أو الأخضر أو الأزرق. وفي بلاد جنوب أوروبا، تحمل الأقلام ألوان الأحمر الداكن أو الأسود وتكون مخططة بالأصفر. أما في الهند فتطلى أقلام الرصاص بالأحمر الداكن المخطط بالأسود. أداة التعبير الكتابي هذه التي خاضت امتحانات كبيرة وصمدت على مر الأزمان، ستبقى تخط على الورق أفكاراً ورسوماً، ولن تزول أمام مدّ التكنولوجيا وأجهزة الكومبيوتر. ولعل الدليل على مِنعتها وقوتها أن قلم الرصاص يمكن الكتابة به في الفضاء الخارجي وتحت الماء...