بين يدي بضع مقالات للأستاذ مبارك بوبشيت تحدث فيها عن القلم بأسلوب شيق راح يتأمل خلاله تلك الآلة التي وصفها قائلا (هذه الآلة النحيلة العجفاء الجوفاء والتي لو ضربت بها طفلا لم تؤلمه كم قتل وقتل) ثم قال: (القلم هذه الآلة الجامدة تنبض وتنبض بنبض صاحبها فبقدر ما في صدر صاحبها من دفء وحياة وعطاء يظهر ذلك من خلال مداد قلمه ذلك المداد الأسود الذي طالما حمل اشعاعات النور.. نور العلم والهداية، والرشاد والإرشاد إلى من هم بحاجة إليه). وبعد ذلك أشار إلى القلم كسلاح خطير فبه كتبت الكلمة التي غيرت وجه العالم بين بناء ودمار وتساءل لماذا غفلت دول العالم عن القلم ولم تصنفه ضمن المحظورات وترغم كل من يحمله على حمل رخصة له؟!! ... يا أستاذي لم تكن ولن تكون هناك رخصة للقلم لأن ذلك لم يسبق بحظر على حركة اللسان وهو العضو الأغرب في أجسامنا ولم يكن هناك حظر تجول على العقل وهو الأكثر تعقيدا وغرابة وهما يسبقان القلم في الوصول إلى فكرة ما ومن ثم طرحها عبر القلم فما هو إلا أداة مستجيبة لما يمليه العقل ويصدقه اللسان ويمرره بعد ذلك إلى سن القلم لتبقى الكلمة المكتوبة الأكثر تأثيرا والأطول عمرا. وكما للسان زلات فللقلم زلات وزلات صنعها العقل واختلف في تفسيرها الكتاب أنفسهم قبل القراء. ولكن الجميل في القلم أنه يمكن صاحبه من مراجعة ما كتب وله أن يصر عليه ويؤكده أو يمحوه ويبدله. وعندما تحدث الأستاذ مبارك في مقالة أخرى عن أولئك الذين لا يعرفون من مزايا القلم إلا الشكل الجميل وراح يقارن بينهم وبين الذين استخدموا أعواد القصب لإثراء العقول بمؤلفاتهم حتى توقف عند العقاد وقلمه الرصاص هنا تذكرت ما قرأته عن أكثر من كاتب وكاتبة أبدوا تعلقهم بهذا النوع من الأقلام لأنه يمكنهم من المحو والإعادة ومع القلم الرصاص تتجلى فكرة الصواب والخطأ فهناك من لا يطيق هذا القلم الضعيف الخاضع لكل رغبة في التغيير عاجلة كانت أو آجلة بفعل صاحبها أو بفعل الزمن فيبدو شاحبا غير قادر على الاعلان عن نفسه في كل حين وله قدرة غريبة بمساعدة الممحاة على عدم الاعتراف بالخطأ فيتنكر له ويحذفه من طريق تطوراته فلا يستفيد ولا يتعظ أما الحبر فهو الأكثر وضوحا وإعلانا عن مبتغاه وبامكان صاحبه أن يخفي بعض سطوره بتكرار الشطب عليها ومع هذا تظل رؤوس الحروف وأطرافها تذكره بما فكر ودون وكم هو جميل أن يطل الخطأ برأسه علينا من حين لحين يذكرنا ينبهنا وقد نكتشف أحيانا أنه لم يكن خطأ بل هو الصواب بعينه فنعود لتكرار ما طمسنا أو نأخذ منه جانبا وندع آخر ليبقى الارتباط قائما!! فمن نحن اذا تخلينا عن أخطائنا، ولماذا نصر دائما على أن تكون البداية من الصفر أو مادون؟ لماذا لا نجعل الأخطاء في مزودتنا العقلية لنكون أكثر صدقا والتصاقا بالحياة والعطاء ونحمل النور من الداخل إلى الخارج فإذا رفض خارجنا فيكفينا أنه موجود فينا.