يختصر مصوّر الفوتوغراف السوري أيهم ديب الانعطافات الإنسانية الحادة، من حروب ومشكلات سياسية وأزمات اقتصادية، بإقحامه حريقاً مفتعلاً تقنياً (من خلال برنامج الفوتوشوب) في زوايا مجموعة صوره «الغريب» التي التقطها في الدنمارك عام 2006، وعرضها حديثاً ضمن الدورة العاشرة لأيام التصوير الضوئي في المركز الثقافي الفرنسي في دمشق. لا توحي صوره الأساسية قبل إدخال القلق إليها من خلال شعلات نارية حُمر إلا بالوداعة والسلام، ويُلخّص ديب فكرة عمله بالتشكيك الذي لحق هوية الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية. ويقول ل «الحياة»: «حتى اليوم، وإثر أحداث أيلول وحروب الشرق الأوسط وصعود مسألة الإسلام العالمية، تمر المجتمعات بأزمة هوية تدفع بأفرادها إلى غربة حقيقية مصحوبة برهاب من الآخر وقلق من المستقبل». ديب المواظب على عرض أعماله ضمن أيام التصوير منذ أولى دوراتها، حوَّل الصور الواقعية، في لحظةٍ عادية من يومٍ طبيعيّ بمؤثّرات الحريق، إلى نوع من التأزّم البصري مشيراً «إلى هشاشة السعادة الإنسانية في عالم ليس من السهل فيه أن تُبقيَ المشكلات بعيدةً من حياتك». 20 مشاركاً من سورية ولبنان وفرنسا، وزَّعوا أعمالهم (فيديو آرت، تصوير ضوئي، تجهيز تصوير ضوئي) بين التكية السليمانية والمركز الثقافي الفرنسي، وقد تفاوتتْ المستويات ما بين أسماء دخيلة، وأخرى مشهورة، وُضِعت كلّها جنباً إلى جنب على نحو لم يمحُ إشارة الاستفهام العالقة على مدى دورات أيام التصوير السابقة. ويضيف ديب: «المشاركون إلى الآن في طور التأثر، ومع أن العمل المستمرّ ضروري إلا أن بعض الأعمال لم يخرج عن انطباعيته، ولم يرتق حتى إلى طور التجريب»، معتبراً أن سبب اندفاع بعضهم إلى المشاركة هو تقديم أيام التصوير «رأسَ مال ثقافياً، ومكاسبَ في العلاقات». ويرى الفنان السوري عمار البيك أن الأعمال المشاركة إلى جانب عمله «أذني تستطيع أن ترى» (فيديو آرت في ثماني دقائق): «تنوس بين التجريب في معناه الحقيقي وبين الاستسهال في التعاطي مع مفهوم الفيديو آرت». «أذني تستطيع أن ترى» مقالٌ مصوّر أو «Video Essay» كما يُوضح مُنجِزُه الذي يسم نفسَه بالمصوّر الضوئيّ، وصانع الأفلام. ويعتمد العمل على شريط صوتٍ تجريبيّ إضافة إلى الاعتماد الكُلّي على التصوير والمونتاج، ويُكمل البيك: «التجريب لا يعني العبث والاستسهال بل يجب أن يستند إلى فَهْم فلسفة السمعيّ البصريّ في كلّ أبعادها»، معتقداً أن إنجاز فيديو آرت يحتاج إلى «درايةٍ عميقة بالفيديو والفوتوغراف والسينما والموسيقى، وإلى مشاهدةٍ مستمرّة أيضاً، لتنمية القدرة على التوليف بين الصور والأصوات والمقولة». وهنا يمتنع البيك عن تحديد مرجعيته في العمل الذي يبدو طرحاً بصرياً ضبابياً، قائلاً: «يصعب إطلاق تسمياتٍ على مدارس معينة وتصنيفها، فالأمر هنا مختلفٌ جداً عن الفن التشكيليّ ومدارسه واتجاهاته». ويُقدّم البيك صورَه الفوتوغرافية خارج أيام التصوير مع إضافات متنوعة (كولاج)، أي أنه لا يلحق الكلاسيكية في أعماله، وحول انغماسه في الفيديو آرت والتصوير معاً يقول: «التصوير بالنسبة إليّ هو العتبة الأساسية في صناعة الفيلم، والحدود بين الفوتوغراف والفيلم هي في غاية التماهي، فالثانية بوصفها زمناً هي توالي عدد معين من اللقطات المُسجّلة على الشريط السينمائي». نيري شاهنيان (26 سنة) تشارك للمرة الأولى في أيام التصوير، وعلى رغم عدم تفرُّغها لمشروعها في الفوتوغراف إلا أنها تقترح أمام المُشاهد موضوعاً محدّداً، يبدو مستقراً في رؤيته الفنية بعضَ الشيء، على عكس الأعمال الشابة المحاذية لصورها في التكية السليمانية، فبينما يغرب الآخرون في التهويمات والغبش البصري، تجتزئ هي موضوعَ صورها من جولاتها في أحياء دمشق القديمة وأزقتها حيث يلفت نظرها شكلُ الأبواب أو النوافذ، ويُحسَب لها أنها تقوم بتحميض صورها بنفسها بعد التقاطها بكاميرا كلاسيكية وبفيلم الأبيض والأسود، وعن شروط التقدم إلى أيام التصوير والمعايير المتبعة في اختيار المشاركين تقول: «لم يُحدّد المركز الثقافي الفرنسي أيَّ معايير، بل طلب فقط مجموعة صورٍ تربطها فكرةٌ واحدة، ونصاً مُرفَقاً يشرح فحواها». يمكن أن تكون تجربة نيري مفعمةً بالاندفاع والرغبة في خوض حالة العرض والتلقي، بعد أن أنهت دراستها بالمراسلة في معهد التصوير الضوئي في نيويورك، لتحصل على ديبلوم في فنّ ليس له حتى الآن أي أكاديمية في سورية، سوى قسمٍ محدود لتدريس التصوير الضوئي في معهد الفنون التطبيقية بدمشق، فهل ينتظر الآلافُ مَن يُعلّمهم فناً سهْل التداول مع توافر عالم الديجتال، أو يبدأون بالمحاولة مع قليلٍ من الموهبة أو كثيرٍ منها، لعلّ الصورة الضوئية تأخذ مكانها في مجتمع لا يوليها أيَّ أهميةٍ مقارنةً باللوحة.