لا تفوّت سلمى باكير (27 سنة) مشاهدة البرامج المختصة بأحدث الأفلام السينمائية. تُتابعها أسبوعياً وتُدون قائمة بالأفلام التي تحقق أعلى الإيرادات في شباك التذاكر، وتعطي اهتماماً أكبر لما يروق لها من أفلام الخيال والأكشن. عناوين الأفلام التي تدونها سلمى لا تنتظر طويلاً لتُشطب من القائمة. لأن الحصول عليها بات متاحاً عبر محلات بيع الأفلام المُقرصنة التي تُسابق دور السينما في الأردن. سلمى زبونة دائمة في واحد من تلك المحلات. وعلى رغم رداءة الصورة والصوت للنسخ غير الأصلية التي تشتريها محملة على أقراص مدمجة، تجدها وسيلة أوفر من ارتياد دور السينما بانتظام. «أليس في بلاد العجائب» للمخرج تيم بيرتون احتل المركز الأول في حصاد شباك التذاكر في المملكة المتحدة قبل اشهر ولم يعرض بعد في الأردن، لكن سلمى حصلت على نسختها «المقرصنة» قبل أيام قليلة وبسعر لا يتجاوز الدولار الواحد. وتقول سلمى: «هواة الأفلام أمثالي يضطرون لشراء الأفلام المقرصنة لانخفاض أسعارها مقارنة بالنسخ الأصلية وبطاقات دور العرض». وتوضح أن «معدل ثمن التذكرة يصل إلى 10 دولارات وهو سعر مرتفع بعض الشيء». وتضيف: «لا أُفوّت عطلة نهاية الأسبوع من دون أن أقتني 5 أفلام حديثة، أستمتع بمشاهدتها وشقيقاتي في وقت الفراغ، نتسمّر أمام شاشة التلفاز ونتابع الفيلم تلو الآخر». وتنتشر في وسط العاصمة عمان وبقية محافظات المملكة محلات بيع الأفلام أو برامج الحاسوب المقرصنة، ويستطيع الزبون أن يحصل على خمسة أقراص مدمجة من هذا النوع بسعر لا يتجاوز 4 دولارات. ويشكل سعر القرص إغراء فعلياً لعشاق الفن السابع، لذا تلجأ محلات كثيرة الى الترويج لبضاعتها عبر عروض وإغراءات خاصة، كأن يعلق أحدهم على واجهة محله لافتة كتب عليها «اشتر 3 أفلام واحصل على الرابع مجاناً». ويقول أحمد وهو صاحب محل لبيع الأقراص والبرامج المقرصنة: «نحصل على هذه الأفلام من خلال موزع، وإذا لم تتوافر لديه استعين بصديقي الخبير في استخدام الانترنت لتحميل الفيلم الذي أُريد من أحد المواقع الإلكترونية». ويؤكد أحمد أنه لا يسمح لأي معوقات بأن تحول بينه وبين توفيره الأفلام الحديثة لزبائنه، وإذا زاد الطلب على فيلم محدد يضطر أحياناً لشراء النسخة الأصلية بمبلغ (21 دولاراً)، يحتفظ بها في مكتبته وينسخ العديد منها لغايات البيع. ويقول أحمد الذي يعمل في المهنة من 8 سنوات: «عندما رُوج للجزء الثاني لفيلم «سيد الخواتم» كنا نبيعه قبل شهر من عرضه في دور السينما»، ويربط توفره في مواقع الانترنت إلى قراصنة استطاعوا أن يحصلوا على الفيلم وينشروه عبر الشبكة العنكبوتية. ويردف قائلاً: «أتذكر حينها أنني بعت قرابة 200 قرص في أسبوع وكان سعره حينها 3 دولارات». الزبون الذي يدخل محل أحمد لا يخرج منه إلا وبحوزته فيلمان أو ثلاثة، إذ يبرع صاحب المحل في الترويج لبضاعته مستعرضاً لزبائنه أحدث الأفلام، ويأخذ بعض الوقت ليسرد موجزاً عن قصة الفيلم. ويبرر أحمد متاجرته بالأفلام المقرصنة بأن النسخ الأصلية منها باهظة الثمن، فيما المنسوخة في متناول الطبقات ذات الدخل المحدود، والشرائح الاجتماعية التي لا تستسيغ أجواء السينما. ويقول: «عندما زارني أخيراً أحد العاملين في الرقابة على الأسواق، سألتُهُ صراحة، إذ طلب منك ابنك نسخة ويندوز لجهاز الكومبيوتر خاصته وسعر القرص الأصلي 100 دولار، هل تشتريه له أو تفضل الحصول على آخر ب 3 دولارات؟ فأجابني راتبي كله لا يتجاوز 300 دولار! فمن الطبيعي أن أفضل الخيار الأخير لكونه يتناسب مع وضعي الاقتصادي». القرصنة الإلكترونية تلقى رواجاً كبيراً بين الشباب على رغم أنها تعتبر خرقاً لحقوق الملكية الفكرية وخروجاً عن الأخلاقيات، لكن غالباً ما تكون الكلمة الفصل للأسعار. هند حسن مثلاً (25 سنة) تقيم في دبي وتعود إلى الأردن صيفاً لزيارة الأهل. تبرر اقتناءها النسخ المقرصنة بأن سعرها يناسب موازنتها. وفي إجازتها لا تُفوت هند فرصة التعريج على وسط المدينة لشراء نسخ من أفلامها المفضلة. تقول: «لا توجد في دول الخليج سوى النسخ الأصلية وأسعارها مرتفعة جداً». ويقول رئيس شركة تعاونية عمان لصناعة الأفلام حازم بيطار أن «انتشار تلك المحلات أمر مرتبط بقضية الفقر»، مشيراً إلى أن «الوضع الاقتصادي هو الأساس الجوهري في تنامي مسألة القرصنة، فضلاً عن أن عملية التحميل من مواقع الانترنت أصبحت متاحة أمام الجميع». ويعتقد بيطار أن «الشركات المنتجة للأفلام والبرامج تستطيع أن تحمي حقوقها وملكيتها الفكرية من خلال وضع تسعيرة تتناسب والوضع الاقتصادي لكل بلد». ويوضح أن «الأفلام المقرصنة التي يتم تحميلها من الانترنت تكون ذات نوعية رديئة صوتاً وصورة، فيما برامج الحاسوب تعطب أجهزة مستخدميها لأنها تنشر الفيروسات»، ويضيف: «تلك السلبيات يدركها المستخدم ولكن ارتفاع سعر النسخ الأصلية تجعله يخاطر باستخدام الأقراص غير الأصلية». ويقول: «لو اتجهت الشركات المنتجة لتغيير تسعيرة الأقراص مع الأخذ في الاعتبار وضع الدول الفقيرة، سيكون هناك سوق رائج للنسخ الأصلية، فالمستخدم يحرص على اقتناء الأفضل في حال توفره بثمن يتناسب ودخله الشهري». ويضيف البيطار: «نحن في تعاونية عمان نوفر أفلامنا على موقع إلكتروني خاص بنا ويستطيع الزائر مشاهدتها مجاناً، وقد اتبعنا هذه الآلية لأننا نأخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي». ويعود البيطار ليشدد على أهمية صون الملكية الفكرية وضرورة الحفاظ عليها من أي تعد من باب الالتزام بالأخلاقيات، ويجد أن مسألة ضبط القرصنة على الانترنت صعبة جداً. وتتولى دائرة المكتبة الوطنية الأردنية مهام تنفيذ الحملات الهادفة إلى الحد من ظاهرة التعدي على حقوق الملكية الفكرية في قطاع المعلوماتية وبموجب تطبيق قانون حق المؤلف لعام 1992 يُحولّ المخالف الى الجهات القضائية. ووضعت الحكومة مدونة سلوك تشكلت بموجبها لجنة من دائرة المكتبة الوطنية والوزارات المعنية لمتابعة المخالفات ما بين القرصنة على أجهزة CD وDVD والكتب وبرامج الحاسوب والألعاب وغيرها، وغالباً ما يتم الحكم في هذه القضايا بالغرامة أو بالحبس و أو كلاهما كما جاء في المادة 51 من القانون. وقال مدير عام دائرة المكتبة الوطنية مأمون التلهوني في تصريحات سابقة إن الأردن يسير بتقدم في موضوع مكافحة قرصنة برامج الحاسوب من خلال الإجراءات المتخذة والمتابعة الميدانية والقوانين والأنظمة الخاصة. وأشار الى أن المملكة تمكنت من تقليص نسبة القرصنة على البرمجيات بنسبة نقطتين لتبلغ 58 في المئة عام 2008 ولتكون بذلك ثاني أفضل دولة أداء في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. ولفت إلى أن نسبة القرصنة في المملكة قبل البدء بإنفاذ قانون حماية حق المؤلف وصلت إلى 87 في المئة.