حرّك الزميل الأنيق ماجد الشديد شجن ومعاناة بعض الزملاء خلال اجتماع تحرير الصحيفة ظهيرة يوم الإثنين الماضي، بموضوعه المنشور في الصحيفة بعنوان: «أصحاب عقارات يشترطون الصلاة وعدم تركيب «الدش» وعدم وجود أطفال. تحدث أحد الزملاء بصوت تملأه «الحرقة»، مشيراً إلى أن صاحب العقار الذي يستأجر عنده سبق أن أبلغه في حال إنجاب زوجته لطفل آخر، اضافة إلى طفلته الوحيدة، سيضطر إلى إخراجه من الشقة التي يستأجرها لكونه لا يريد أطفالاً في بنايته «المصونة». ثم وصلت للصحيفة رسائل عدة كلها تدعو إلى التطرق إلى هذا الموضوع والكتابة عن معاناة «جيش» من الشباب السعودي غير قادر على فتح بيت لأسرة صغيرة. عجيب أمر صاحب العمارة الذي يهدد زميلنا وسيعرّضه للطرد لو أنجبت زوجته طفلاً آخر، فكأنه يريد أن يكتب له «روشتة» حياته الزوجية! في الرياض والمدن السعودية الكبيرة يغالي اصحاب عقارات في الاسعار ويبالغون في شروط التأجير حتى إن المستأجر يشعر بالاضطهاد في مكان يسكنه. يقول الزميل الشديد في تقريره الصحافي: «يدفع النقص الكبير في الوحدات السكنية ملاك عمارات إلى انتقاء المستأجرين، بفرض شروط صعبة على الراغبين في السكن، فيما يمتنع بعضهم عن تأجير السعوديين، أو الأسر التي لديها أطفال، أو من يرغب في تركيب أطباق فضائية تقوم بتشغيل قنوات غير دينية» أو الطلب من الباحث عن سكن دفع قيمة الإيجار مقدماً لضمان الحصول على الشقة». أين هي البلدية عن مثل هؤلاء المبالغين والجشعين؟! ولماذا يحوّلون السعودي إلى أشبه ب«الغريب» في بلاده؟! لا شك في أن مشكلة السكن موجودة ومتصاعدة، وفي كل عام يتجدد سيناريو الزيادات والمبالغات في الأسعار، إذ يلوح بعض أصحاب العقارات برفع اسعار الإيجار على السكان أو يضع عليهم شروطاً جديدة «لا تهضم» وفوقها توابل وفاصل من «الابتزاز»، محتجاً بأنه «حر في ماله». سبق أن كتبت في أواخر شهر أيار (مايو) 2009، مقالة حول دراسة قام بها عضو التدريس في معهد الإدارة العامة أمير العلوان بعنوان: «برامج الإسكان في السعودية ومدى استفادة الموظفين الحكوميين منها»، وهي توضح أن ما يزيد على 61 في المئة من موظفي الدولة لا يملكون منازل خاصة بهم، ونحو 66 في المئة منهم يقطنون في شقق أو أدوار صغيرة أو مع والديهم. لا تزال مشكلة الإسكان في السعودية منذ سنوات تقف زاويةً قائمة تتصاعد منها الأدخنة على أمل التدخل الحكومي لإطفائها، لكن يبدو أن الأمور لا يراد لها أن تتغير، ويبدو أنها ستزداد مع زيادة عدد السكان، والتعداد الجديد سيظهر حجم الطفرة السكانية وصعوبة المسالك نحو الحلول بعد أن تراكمت المشكلة. جل المواطنين يشكون من شرط ضرورة تملك أرض للحصول على قرض من صندوق التنمية العقارية، وضعف قيمة القرض، ومحدودية الدخل مقارنة بارتفاع أسعار المساكن ومواد البناء، ولا سيما في ظل الارتفاع «الجنوني» في أسعار الأراضي المخدومة. تعاني المدن السعودية من نقص في عرض الوحدات السكنية وهو ما يدفع الأسعار إلى المزيد من الارتفاع، وبحسب دراسة أعدتها شركة دار الأركان للتطوير العقاري بعنوان: «العقار في المملكة... تقويم تنموي»، فإن الإيجارات سبب مغذٍّ لنمو التضخم في البلاد. هناك ضرورة لصياغة خطط وبرامج تسهم في توفير الإسكان للمواطنين وتنفيذ سياسات تشجّع على تحفيز الوزارات والشركات الكبيرة والمؤسسات الحكومية والجمعيات الأهلية والتعاونية للإسهام في تمويل برامج إسكانية لمنسوبيها ولغيرهم من أبناء البلاد، والاستفادة من تجارب ناجحة كما هو في «أرامكو» و «سابك» و «الهيئة الملكية للجبيل وينبع». هذا الملف المهم يحتاج إلى وقفة صادقة ودراسة معمقة وحسبة دقيقة تسلط الضوء على عمق المشكلة وعدم الخجل من مناقشة عدم قدرة المواطن على بناء منزل لأسرته لضمان كرامته في بلده، ولا سيما أن هناك شباباً متزوجين أو مقبلين على الزواج غير قادرين على فتح بيوت، نظراً إلى معوّقات كثيرة لا تخفى على أحد، من بينها ارتفاع أسعار الأراضي و«فحش» أسعار المنازل، إضافة إلى «العشوائية» عند توزيع منح الأراضي. [email protected]