ضربت موجة انهيارات المباني الآيلة للسقوط في مدينة جدة مجدداً أمس، وللمرة الرابعة خلال أقل من ستة أسابيع، مخلفة قتيلين سقط عليهما سقف منزل متهالك في حي البغدادية الشرقية. وتجلت أمس، عشوائية في التعاطي مع حوادث الانهيار وغياب الآلية التنسيقية الواضحة لعمل الجهات التي باشرت موقع الحادثة منذ الساعة الثامنة صباحاً، إذ بدا الخلاف واضحاً على كيفية تسلم وتسليم الموقع بالمحاضر الرسمية بعد الفراغ من انتشال جثث الضحايا وإخلاء المنزل من سكانه. وفي ظل هذا الوضع القائم على «الاجتهادات الفردية»، ظل مندوبو لجنة المباني الآيلة للسقوط في «صراع مع الجهات الأمنية» بحسب حديث أحدهم إلى «الحياة»، رافضين توقيع تسلم الموقع إلا بمحضر رسمي بحضور المالك يسجل رغبتهم في ضرورة فرض سياج أمني عليه وإخلاء سكان البنايات المجاورة له، إذ يشكل المنزل المنهار خطراً واضحاً على البنايات المحيطة به وسكانها. وعلى رغم تولي أحد ضباط الدفاع المدني في موقع الانهيار (تحتفظ «الحياة» باسمه) دور «المكتب الهندسي» ومحاولته إقناع لجنة المباني الآيلة للسقوط بتسلم الموقع بمحضر لا يتضمن ضرورة الحراسة أو الإخلاء، إذ يرى أن لا خطر من المنزل إلا على المبنى المقابل له، ولم يشاهد أحداً في المنازل المحيطة، إلا أن اللجنة رفضت تسلم الموقع بهذه الطريقة، فيما أعلن ضابط أمن المهمات الذي باشر الموقع انسحابه أمام الجميع، موضحاً أن الشريط الأمني يكفي لصد المتجمهرين خلال عملية الإزالة وأن دوره في الموقع انتهى بحسب التوجيهات. وإضافة إلى صراع اللجنة من أجل البقاء في الموقع بشكل منظم يضمن حضور المالك ومباشرته عملية الإزالة تحت حراسة أمنية تصد خطره عن المارة والجيران، استمرت اللجنة كذلك تحت رحمة ملاك المنازل ليحضروا ويباشروا أعمال الإزالة بأنفسهم، نظراً إلى عدم توافر المعدات والموازنة اللازمة لديها لتنفيذ الإزالة الفورية كما كان الأمر سابقاً، حين كان عقد المقاول الذي يوفر لها المعدات سارياً. (نشرت «الحياة» سابقاً عن انتهاء عقد المقاول قبل أكثر من ستة أشهر، ولا تزال اللجنة بلا معدات منذ ذلك الوقت). وواصلت اللجنة انتظار حضور مالك المنزل لتنفيذ أعمال الإزالة طوال يوم أمس، بعد أن غادر باكراً مديرية الدفاع التي سجل فيها أقواله، فيما استمر رجال الأمن في موقع الحادثة مكتوفي الأيدي في انتظار توجيههم رسمياً بإحضاره». وقال أحد مسؤولي اللجنة ل «الحياة» إن هذه الحال من العشوائية وضبابية الإجراءات التنسيقية الواضحة في عمل الجهات المختلفة تتكرر في كل حادثة، موضحاً أن الكرة دائماً في ملعب الاجتهادات الفردية، وكذلك بقاؤنا تحت رغبة ملاك المنازل يتكرر منذ أن أصبحت اللجنة بلا معدات. وفي غضون ذلك، بعثت مديرية الشؤون الصحية مندوباً إلى المنزل المنهار بعد العثور فيه على مجموعة أدوية غير مرخصة ومستندات تعود إلى مؤسسة خاصة بالتجهيزات الطبية. وقال المندوب ل «الحياة»: «إن ما عثر عليه في طريقه إلى إدارة الرخص الطبية وسيتم التحقق من مصدر الأدوية ونشاط المؤسسة». وبين كل ذلك ضاع في الزحام مقيمون من سكان المنزل المنهار وسكان المباني المجاورة له، أخرجوا من منازلهم بأسرهم وأطفالهم، وأخذ رجال الدفاع المدني وثائقهم الثبوتية وطالبوهم بمراجعة المديرية لإنهاء إجراءات لا يعلمون عنها شيئاً. وقال ساكن في منزل ملاصق للمنزل المنهار المقيم السوداني المسن عبدالكريم محمد علي ل «الحياة»: «إنه أخرج أسرته وأطفاله بعد أن أرعبهم صوت الانهيار واستضافهم قريب له، فيما هو حائر في الموقع بعد أن سحبت أوراقه الرسمية». وأضاف: «لا ذنب لي سوى أن صاحب منزل مسجل ضمن المباني الآيلة للسقوط لم يكترث لأحد وأجر منزله لعمالة مخالفة، فكانت كارثة أدفع أنا وأسرتي ثمنها من راحتي واستقراري».