أغضب قرار مجلس الشعب (البرلمان) المصري فرض ضريبة على التبغ، المدخنين المصريين، وجرى تناول القضية وكأن السجائر مادة غذائية. وعوضاً عن الترحيب بالخطوة الحضارية، نشب جدل حول الاحتكار، وهيمنة التجار، وتراخي الحكومة، على رغم ان اسعار التبغ لا تزال رخيصة بالمقاييس العالمية، حتى بعد زيادتها 40 في المئة. مصر ليست وحدها في تأمين التبغ بأسعار زهيدة. كل الدول العربية يتجاهل قضية السعر، على رغم ان سعر علبة السجائر في معظم دول العالم يزيد على عشرة أضعاف سعرها في مصر ودول الخليج ولبنان، ومعظم الدول العربية ينفق ضعف دخله من الرسوم المفروضة على السجائر لمواجهة الأضرار الصحية لهذه العادة السيئة. وفي الأردن مثلاً تنفق الدولة اكثر من 800 مليون دولار لمواجهة أضرار التدخين، مع انها لا تحصل سوى على نصف هذا المبلغ بسبب رخص التبغ، والمثال يتكرر في كل الدول العربية. والسبب هو أن سعر السجائر لم يتغير، فهو لا يزيد على 1.5 دولار في البلاد العربية، لذلك أصبحت دولة مثل السعودية تحتل المرتبة 23 بين الدول الأكثر استهلاكاً للتبغ على مستوى العالم، بسبب نقل السجائر الى دول أخرى، منها دول أوروبية. جمعيات مكافحة التدخين منتشرة في كل البلاد العربية، وهي جرّبت كل الأساليب والوسائل لمواجهة هذه العادة السيئة، لكنها لا تستطيع ان تتدخل في قضية السعر، مع اقتناع القائمين عليها بأن قضية سعر التبغ عامل حاسم في مواجهة هذا الخطر. فالجهات المعنية بفرض الرسوم ترفض البحث في الموضوع، وحين تسأل عن سبب الحساسية إزاء مناقشة قضية السعر يقال لك إن فرض مزيد من الرسوم يساهم في تنشيط تجارة تهريب السجائر، وهو خوف غير مبرر، فضلاً عن أن تهريب السجائر، أياً يكن حجمه لن يوفر التبغ بالأسعار الحالية. الخطوة المصرية يجب ان تتحول الى توجه عربي عام، بل ان الدول التي تتمتع بوضع اقتصادي افضل هي الأوْلى بمثل هذا القرار، بل يجب توحيد أسعار التبغ بين الدول العربية على غرار ما حصل في الدول الأوروبية، ولهذا ضمِنت الدول الأوروبية وقف تجارة تهريب التبغ في ما بينها، وجعلت هذه العادة القاتلة مكلِفة، على نحو أغرى كثيرين بتركها.