باريس، برلين، طوكيو - رويترز - أثار تحرك ألمانيا للحد من التعاملات التي تنطوي على مضاربة شكوكاً في قدرة أوروبا على بناء نوع من الحوكمة الاقتصادية يعتقد كثيرون أنه ضروري الآن لبقاء اليورو. وفاجأت الخطوة فرنسا وأظهرت كيف يعاني أكبر اقتصادين في منطقة اليورو لتنسيق السياسة خلال أزمة الديون التي ضربت العملة الموحدة. وشددت وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد على أنها لا تشارك المستشارة الألمانية أنغيلا مركل الرأي بأن اليورو في خطر. وقالت لإذاعة «آر تي إل»: «لا أعتقد إطلاقاً أن اليورو في خطر. اليورو عملة قوية وموثوق بها». وأوضحت أنها تدعم خطط مركل لاتخاذ سلسلة من الإجراءات لدعم اليورو واقتصاد منطقة اليورو لكنها أكدت أن فرنسا لن تحذو حذو ألمانيا لفرض حظر على عمليات البيع على المكشوف للديون السيادية. ورأى ألكسندر لو، كبير خبراء الاقتصاد لدى «إكزيرفي» للاستشارات في باريس: «سيتعين على فرنساوألمانيا توحيد آرائهما وإلا فسيتفكك اليورو». وأكد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مراراً منذ تفجر أزمة ديون اليونان أنه يتعين على دول منطقة اليورو وضع معايير وممارسات اقتصادية مشتركة إذا أرادت لعملتها أن تزدهر. لكن هذا المفهوم كشف خلافات جوهرية بين باريس وبرلين إذ تتحدث فرنسا عن «حكومة اقتصادية» وهو ما أثار انزعاج برلين التي تفضل الحديث عن «حوكمة اقتصادية». وتعطي كلمة «حكومة» الانطباع بأن جهة خارجية ستملي السياسة الاقتصادية بينما تثير كلمة حوكمة في أذهان الألمان فرص إنشاء هياكل وإطار عمل وفرض عقوبات. ولفتت أورليك جويروت، رئيسة مكتب المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين: «نأتي من اتجاهين مختلفين تماماً. إذا جئتم من اتجاهين مختلفين تماماً، مؤكداً أن يحصل اصطدام. لكنني آمل أن يكون هناك حوار بناء». وفي قلب الأزمة توجد تناقضات أساسية بين فرنساوألمانيا في شأن التنمية الاقتصادية بلا حلول سهلة تلوح في الأفق. وأجرت ألمانيا إصلاحات صعبة لوضع آلية تصدير فاعلة تتسبب في اختلالات في الموازين التجارية لا يمكن تحملها في أنحاء منطقة اليورو. وفي الوقت الذي تسجل فيه ألمانيا فوائض تجارية لا نهاية لها في ما يبدو، يسجل كثير من جيرانها - ومن بينهم فرنسا - عجزاً تجارياً ببلايين اليورو. وبالنسبة إلى باريس فالإجابة واضحة: على ألمانيا تعزيز الطلب المحلي وخفض الضرائب لتشجيع الواردات. أما بالنسبة إلى برلين، فالدول الأخرى هي التي تملك الإجابة إذ ينبغي ببساطة أن تحذو حذوها في خفض الأجور. ويقول مسؤولون فرنسيون إن ألمانيا تجتذب الشركات والاستثمارات نظراً لأن ليس لديها حد أدنى للأجور. بينما يقول الألمان إنهم فخورون بهذه الإدارة الاقتصادية القوية. ورأى رئيس مجموعة وزراء المال في منطقة اليورو جان كلود يونكر أن ضعف العملة الموحدة يعود على الأرجح إلى المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي في دول المنطقة. لكنه قال إن الأسواق تتصرف في شكل غير منطقي. وقال لوكالة «رويترز» في طوكيو: «هناك تكهنات بأن النمو سيتباطأ بسبب التخفيضات التي يتعين علينا القيام بها في مستويات العجز. هناك إحجام بدرجة ما عن تصديق أن اليونانيين يمكنهم التغلب على الأزمة الحالية. لا أعتقد أن السوق تتصرف في شكل منطقي». وشدد مساعد وزير المال الصيني تشو غوانغ يوي على أن «أزمة الديون السيادية الأوروبية لا تمثل تحدياً للدول التي تعاني منها فقط مثل اليونان. في الحقيقة إنها تمثل تحدياً لاستقرار سوق المال الدولية برمتها. إنها تتعلق بانتعاش الاقتصاد الدولي كله، ولذلك فهي تتطلب استجابة مشتركة من المجتمع الدولي». وأضاف تشو في مؤتمر صحافي أن أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو تظهر أن الحاجة لسيطرة الدول على مستويات ديونها والحفاظ على استقرار عملات الاحتياط الرئيسة « شديدة الأهمية». وأكد رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس - كان في مقابلة أجرتها معه صحيفة «فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ» الألمانية أن أوروبا في حاجة لتنسيق أقوى حول السياسة الاقتصادية وأن إمكانية أن تتشارك الدول في عملة موحدة وأن تتصرف في شكل مستقل عن بعضها البعض «خاطئة». وتابع: «هناك حاجة إلى أداة تجعل القرارات متسقة. ربما يطلق الفرنسيون عليها حوكمة اقتصادية ويسميها الألمان اتفاق استقرار. التسمية أياً كانت لن تحدث فرقاً». ويلتقي وزراء مال الاتحاد الأوروبي اليوم في بروكسيل للتوصل إلى مقترحات حول سبل تشديد قواعد الموازنة بالاتحاد الأوروبي وتحسين الحوكمة الاقتصادية من أجل تجنب تكرار الأزمة.