بعد نجاح القوات المشاركة في تمرين رعد الشمال في تنفيذ ثاني أكبر عملية حشد للقوات المختلطة في المنطقة منذ عاصفة الصحراء، أعادت إلى الواجهة القوة السعودية بوجهها المقاتل. لم تقتصر رعد الشمال على السعودية وحسب، بل تشارك 20 دولة عربية وإسلامية وصديقة، وهي: الإمارات العربية المتحدة، الأردن، البحرين، السنغال، السودان، الكويت، المالديف، المغرب، باكستان، تشاد، تونس، جزر القمر، جيبوتي، سلطنة عمان، قطر، ماليزيا، مصر، موريتانيا، موريشيوس، إضافة إلى قوات درع الجزيرة. وشهدت «رعد الشمال» «بسالة» في القوة، وتبرز من أسلحة القوات البرية المشاركة في تمرين رعد الشمال: دبابة م 60 أ 3، وحضرت أيضاً الطائرات المقاتلة المشاركة كطائرة إف -15 إيقل، كما تم اختبار أنظمة القيادة والسيطرة على كل المستويات في تمرين وفقاً للحساب الرسمي لها في تويتر. يذكر أن التمارين انطلقت الأسبوع الماضي في المنطقة الشمالية، وتعد واحدة من أكبر التمارين العسكرية في العالم، من حيث عدد القوات المشاركة واتساع منطقة المناورات، وهو ما يجعلها تحظى بالاهتمام على المستويين الإقليمي والدولي. في الوقت الذي لا تزال فيه السعودية تخوض حرباً على الحدود الجنوبية ضد الميليشيات الحوثية، وأنصار الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح ضمن تحالف عربي يهدف إلى استعادة الشرعية في اليمن، انتظمت الحشود العسكرية في أكبر مناورة عسكرية تشهدها المنطقة منذ أعوام، لتحل قوات تتبع ل20 دولة عربية وإسلامية ضيوفاً في المنطقة الشمالية من السعودية، وتحديداً في قاعدة الملك خالد العسكرية بمدينة حفر الباطن. ويأتي التمرين العسكري الذي أطلق عليه اسم «رعد الشمال» لتكشر من خلاله السعودية عن أنيابها، وتبرز قدراتها العسكرية في خوض العمليات وتكتيل التحالفات، استجابة لقراءة تحديات المرحلة المقبلة واستباقها برفع جاهزية أنظمتها وقطاعاتها العسكرية. وبسبب الظروف الإقليمية الآخذة في التصاعد، رفعت البلاد في السنوات الأخيرة من جاهزيتها القتالية، عتاداً وتدريباً، خصوصاً أن المملكة ينظر إليها المسلمون على أنها حامية قبلتهم ومدافعة عن قضاياهم الكبرى. ويعيد التاريخ نفسه بعد أقل من عامين ليستحضر مشهداً عسكرياً في المنطقة ذاتها، ففي الساعة الثامنة من صباح الثلثاء 29 نيسان (أبريل) 2014، أخذ الملك سلمان بن عبدالعزيز (ولي العهد ووزير الدفاع حينها) مكانه من منصة ميدان المناورة الشمالي الثاني في مدينة حفر الباطن، وإلى جواره ملك البحرين، وولي عهد أبو ظبي، ووزراء دفاع وقادة عسكريون من دول الخليج، إضافة إلى مصر وباكستان وأميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا، لحضور اختتام مناورات «سيف عبدالله» الأضخم في تاريخ القوات المسلحة السعودية. وجرت تلك المناورات على مدى 15 يوماً وفي ثلاثة مسارح عمليات في وقت واحد وثلاث مناطق باختلاف تضاريسها ودرجة حرارتها وطبيعة أرضها، وشاهد الحضور تلفزيونياً ما يجري في المنطقتين الجنوبية والشرقية بالتزامن مع ما يحدث أمامهم من تطبيقات، بعدد تجاوز 130 ألف جندي وتمت إدارة المناورات من غرفة عمليات في العاصمة السعودية الرياض وسط البلاد، وركزت تلك المناورة على تطوير القدرة الدفاعية ورفع الكفاءة القتالية واستخدمت فرضيات للمرة الأولى، مثل تحرير جزر، وصد غزو خارجي مفاجئ عبر المناطق في آن واحد، وخوض حرب إلكترونية. ولأن المنطقة العربية تتلوّى من آثار انتفاضات الربيع العربي، والعواصم العربية التقليدية تسجل غياباً صارخاً في المشهد الراهن، فإن السعودية وانطلاقاً من كونها العاصمة التي تحتفظ بتماسكها واستقرارها وسط الجغرافيا المتهاوية، تتقدم لتحمّل مسؤولية المنطقة، وهي في سبيل ذلك تضاعف من حجم استعدادها الاستراتيجي، وتوفير شروط المرحلة، وخلق ظروفها الموضوعية اللائقة لمكابدة الواقع، ومنها القدرة العسكرية الكافية. وإيران التي أخذت تستثمر سلباً في ظروف المنطقة، إذ أصبحت تتعامل مع العالم المنفتح عليها بوصفها «الندّ» على خلفية الاتفاق النووي، بينما أميركا تنسحب من المنطقة، بدأت تتحفز طهران لممارسة دورها القديم «شرطي الخليج» أو مداعبة طموحاتها بإعادة الإمبراطورية الفارسية، من خلال نهج طهران لدورها المفضل بإثارة المتاعب في المنطقة، ابتداء من البحرين والسعي إلى تفتيت الوحدة عبر توظيف الثغرات التقليدية ومد جسور الانتهازية في بحر الخليج العربي، ولكن يداً من «درع الجزيرة» قطعت دابر الذين ظلموا، وأوقفت نزف الاضطراب هناك. وبختام مناورات «سيف عبدالله»، كان الجميع يعتصم بتصوره القديم عن السعودية المتحفظة، ولكن التمدد الإيراني يقرع الجرس في العاصمة الرابعة بحسب ما تغنت به طهران، التي تعيش ربع الساعة الأخير قبل أن يهيمن حوثيها على اليمن، ساعات قليلة تفصله ليشرف على باب المندب ويباشر اختراق الحدود السعودية ويحتفل بقبضته على القلب العربي، من خلال ميليشياته التي تأتمر بأمره، وتمثل الأداة التي تناور بها ملاليه في الجزء الجنوبي من المنطقة، ببدئها تنفيذ مناورات عسكرية بالذخيرة الحية في خاصرة السعودية الجنوبية، وكأنها تتحضّر لنوايا تشبه ما حدث في 2009، ولكن التطورات في قلب العاصمة اليمنية «صنعاء» كانت متسارعة، فالحوثيون يستولون عليها في أيلول (سبتمبر) 2014، والرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي يتحرر من قبضتهم ويدعو من الرياض لتدخل عسكري يعيد الحق إلى أهله، ليحمل فجر الخميس 26 مارس 2015 البشرى لليمنيين بإعلان انطلاق عمليات «عاصفة الحزم» لإعادة الشرعية إلى الحكومة اليمنية. عشرات المقاتلات السعودية، تعاونها طائرات من دول التحالف العشر تدك معاقل الحوثيين، وأتباع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ويساندها نحو 150 ألف مقاتل يشاركون في خوض حرب متكاملة أسهمت في استعادة مساحات واسعة من اليمن تصل بحسب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى 85 في المئة من الأراضي، وفرض السيطرة على الحدود البرية والبحرية وحظر الأجواء لمنع تزويد المتمردين بما يساعدهم في استمرار باطل باغتصاب الشرعية. أصبحت المناطق في جنوب اليمن تحتضن الحكومة الشرعية، وأعلنت مدينة عدن عاصمة موقتة للبلاد، بإقامة الرئيس اليمني، ورئيس الحكومة هناك بشكل دائم. وفي الجهة الأخرى لا يزال الجيش الوطني اليمني، وأفراد المقاومة اليمنية بمساندة من طائرات التحالف يتقدمون لتحرير المدن الواحدة تلو الأخرى، وصولاً إلى تخوم العاصمة «صنعاء»، وفرض طوق أمني عليها، وعلى الحدود السعودية تستبسل قوات الدفاع الجوي وأفراد حرس الحدود والقوات البرية والحرس الوطني للدفاع عن الحدود الجنوبية من البلاد من محاولات العبث الطائشة والمقذوفات التي يطلقها بين حين وآخر أفراد الميليشيات. عملية «عاصفة الحزم» تحمل رسالة مباشرة للعالم بأسره بأن السعودية «ليست داعية حرب» كما أعلنها وزير خارجيتها السابق الأمير الراحل سعود الفيصل، ليأتي تأكيد ذلك بإعلان مستشار وزير الدفاع السعودي المتحدث الرسمي باسم التحالف العربي العميد ركن أحمد عسيري بعد أقل من شهر على بدء العاصفة عن انتهائها والبدء في المرحلة الثانية التي أطلق عليها «إعادة الأمل» والتي تتوازن فيها الجهود العسكرية مع تقديم المساعدات والخدمات الإنسانية للشعب اليمني المحاصر من الانقلابيين. .. وتُبعثر أوراق «إيران» .. بعد توغلها في الدم تحاول إيران عبثاً لملمة أوراقها المبعثرة في المنطقة، تمعن في إدماء الثورة السورية انتقاماً من صحوة عربية تقودها السعودية لتبديد أحلامها، أصبحت سورية بفعل استفحال القتل وزيادة الظلم حاضنة لولادة جماعات التطرف التي تسيء إلى الإسلام وتؤذي السعودية في الداخل، وبدا واجباً على القيادة الإقليمية أن تتحرك في مواجهة هذا المارد بمنأى عن عواصم الادعاء والتزييف. السعودية تتحدث الآن من واقع مكانتها العسكرية والسياسية، وتخوض صراعاً باسم الإقليم، وولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في تأصيل للدور الجديد الذي تخوضه السعودية وتعلن كامل المسؤولية والقدرة على مواجهته، يقرر إنشاء تحالف إسلامي عسكري يضم عدداً من الدول الإسلامية على تفاوت استعدادها العسكري لمواجهة كل فرص النمو المتشدد. قبل ذلك أعطى اجتماع مدينة جدة يوم الخميس 11 أيلول (سبتمبر) 2014 إشارة انطلاق الحرب على التنظيمات المتطرفة من دون هوادة، في كل من العراق وسورية، شارك في الاجتماع وزراء خارجية السعودية والولايات المتحدةوالبحرينوالإماراتوالكويت وسلطنة عمانوقطر ولبنان ومصر والأردن والعراق وتركيا ضمن تحالف دولي بدأ يشن غاراته على معاقل «داعش»، وكانت السعودية العنصر الأساس في هذا التحالف نظراً إلى ثقلها وتأثيرها في المنطقة. «القدرة على خلق التحالفات» قوة سمحت بإنشاء التحالف الإسلامي الجديد من 34 دولة، تملك مقومات بشرية وعسكرية ضخمة، إذ تشمل دوله بليوناً و31 مليون نسمة، بينهم أكثر من 4 ملايين عسكري وأكثر من 5 ملايين جندي احتياط، يمكنهم استخدام أكثر من 2500 طائرة حربية و21 ألف دبابة متنوعة و461 مروحية، وأكثر من 44 ألف مركبة قتالية. تشعر إيران بمزيد من الغربة في ظل التوافد المحموم لقيادات السياسة والقرار العالمي إلى العاصمة السعودية الرياض التي تسجل المزيد من الأرقام في رصيدها المتنامي وتنوع بدائلها الأممية بمسافة تكفي للتعويض عن واشنطن، إنها المسؤولية المتكاملة التي تشعر بها الرياض والدور المستوفي لبذور نضجه، لإفساد طبخة الفوضى والتفتيت الذي يراد بالمنطقة من عواصم الغرب أو طهران أو الرقّة السورية. إيران والقوى المتحالفة معها بقيت خارج التحالف وشككت في جديته، وربما شعرت بالتهميش والخطر يحيق بها وأخذت تتحسس رقبتها، يوم أكدت المملكة استعدادها لإرسال قوات برية لمقاتلة «داعش» في سورية، وعلى رغم أن كلام المملكة وعزمها موجه ل«داعش» في سورية، فإن إيران تهيجت لأن الأرض أخذت ترتج تحتها على زعم محاربة «التكفيريين» في سورية. مزيد من الملاحقة العسكرية لدعاوى طهران في المنطقة يهز أركان مشروعها ويهدد حضورها، فبحلول التحالف الإسلامي بقيادة السعودية خصماً للتطرف في سورية العربية ينفي أي مبرر لوجود إيران هناك بما يعني تخليص عاصمة أخرى من ورطة أحلام الإمبراطورية الواهية. تبالغ إيران في إثارة الغبار أمام عزم السعودية على التقدم، تشن زوبعة على قرار محلي صرف بإعدام أحد الإرهابيين وتثوّر حرسها الشعبوي لحرق المقار الديبلوماسية السعودية في طهران ومشهد. الرياض وبرفقة مجموعتها الخليجية وبعض العرب تجتمع وتجمع على قطع العلاقات مع العاصمة الإيرانية، ويتأزم المشهد أكثر ويتطلب الموقف مزيداً من العزم والجزم من دون مواربة.