صحة اللبنانيين النفسية ليست بخير... والدليل دراسة شاملة أجريت على المستوى الوطني تُظهر بالأرقام والتحليل مدى انتشار الأمراض النفسية والعقلية، وعبئها على الشعب اللبناني. الانطلاقة العملية للمشروع (الذي يشكّل جزءاً من مبادرة شاملة ل AFKAR، المموّلة من الاتحاد الأوروبي بإدارة مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية OMSAR)، بدأت عام 2003 عبر إجراء دراسة وطنية شاملة L.E.B.A.N.O.N هي الأولى من نوعها في لبنان والعالم العربي، وفق عينة شملت نحو ثلاثة آلاف شخص تم اختيارهم على أساس علمي بإشراف جمعية IDRAAC، ويعكسون مختلف شرائح المجتمع اللبناني. بالتزامن تم تنفيذ الاستطلاع نفسه في 27 دولة ضمن مبادرة World Mental Health Surveys، وقد تولّى الجانب اللبناني تدريب بعض المسؤولين في الدول العربية على تنفيذ الدراسة، كون لبنان هو البلد العربي الأول الذي باشر بتنفيذها. يذكر أن IDRAAC هي منظمة غير حكومية تعمل منذ الثمانينات في مجال الصحة النفسية وكل النشاطات المتعلقة بهذا المجال إضافة الى تقديم استشارات مجانية وإعداد دراسات وإحصاءات والتقدم في مجال الأبحاث، وقد أصبح لها إطارها الرسمي منذ عام 1997. وتضم حالياً مجموعة من اختصاصيي علم النفس وأطباء نفسيين وعلماء اجتماع وممرضات ومتطوعين غالبيتهم من طلاب الجامعات، يرتكز عملهم في شكل أساسي على حماية حقوق المريض النفسي وتأمين الإطار الإنساني والقانوني الملائم لعلاجه. في المحصلة، توافرت على أساس الدراسة قاعدة من المعلومات والمعطيات حول العديد من جوانب حياة الفرد اللبناني، منها الصحة العقلية، والصحة العامة، العلاجات المتبعة، الوضع العائلي والاقتصادي، الحياة الزوجية، الأجواء العائلية العامة... وبيّنت الدراسة مثلاً، أن أكثر من ربع الشعب اللبناني عانى من اضطراب نفسي أو أكثر خلال حياته، وأن 80 في المئة من الذين تعرضوا لاضطرابات نفسية لم يتلقوا العلاج ولم يحصلوا حتى على معاينة في عيادة نفسية. يقول الدكتور جورج كرم اختصاصي الأمراض النفسية والعقلية: «الإحصاءات التي تم الحصول عليها وفق هذه الدراسة للمرة الأولى في لبنان، قدّمت أرقاماً حول العديد من النواحي النفسية للمواطن اللبناني، إن لناحية الكآبة والإرهاق، والأدوية التي تستخدم في هذه الحالات... ومن هذه الأرقام انطلقنا نحو دراسة أكثر عمقاً، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، لتحليل هذه المعلومات المتوافرة بين أيدينا، حول عبء الأمراض النفسية على الشعب اللبناني». التمويل الأوروبي للمشروع بنسبة أكثر من 80 في المئة، بقيمة 100 ألف يورو، (تكفلت IDRAAC بتمويل الجزء المتبقي من المشروع) سمح، يضيف كرم، بقياس نسبة عبء الأمراض النفسية على اللبناني، للمرة الأولى على الصعيد الوطني، خصوصاً لناحية تأثير هذا العبء على إنتاجية الفرد في حياته المهنية، وعلاقاته على المستوى العائلي والزوجي. هذا الأمر قادنا أيضاً الى التعرّف الى طرق العناية والحواجز التي تقف أمام تأمين العلاجات اللازمة لضحايا هذه الأمراض النفسية والعقلية. يؤكد كرم «أن القوانين الحالية المعتمدة في لبنان، تعود الى أيام العثمانيين. وفي عام 1983 أدخلت بعض التعديلات على القانون (المسمّى آنذاك مستشفيات المجانين)، وعلى رغم ذلك بقي القانون متخلّفاً عن بقية البلدان، من هنا كان القرار بالعمل على التحضير لتشريعات جديدة حول الصحة النفسية والعقلية في لبنان». ويوضح كرم: «إن ذلك استدعى جمع ودرس القوانين المعتمدة في شأن الصحة النفسية في العديد من الدول العربية منها، مصر والمغرب والسعودية والبحرين وقطر وتونس... إضافة الى بعض الدول الأوروبية (فرنسا، اسبانيا...) والأميركية، وتمت مقارنتها بعضها ببعض واستخلاص ما يتناسب مع الوضع اللبناني. ويذكر أن IDRAAC تعاونت مع «اللجنة الاستشارية الوطنية اللبنانية لأخلاقيات علوم الحياة والصحة» التابعة للحكومة اللبنانية، التي أبدت اهتماماً كبيراً بالمشروع، في وقت كانت أعدت هذه اللجنة مشروع قانون تحت عنوان «رعاية وعلاج وحماية المصاب بمرض عقلي أو نفسي». ومن خلال هذا التعاون بين الجانبين أدخلت بعض التعديلات الى مشروع القانون كما اقترحتها «إدراك»، وبناء على خلاصات نقاشات بين أصحاب الاختصاص. ويوضح الأمين العام ل «لجنة الأخلاقيات» الدكتور فؤاد بستاني «أن قانون «رعاية وعلاج وحماية المرضى العقليين» الصادر عام 1983 تطرق الى الأمور الإدارية المتعلقة بالأمراض النفسية والعقلية، ولم يتناول إطلاقاً موضوع حقوق المريض. فهناك حاجة كبيرة الى إصدار تشريعات حول حقوق المريض، وماذا يعني الاستشفاء الطوعي والاستشفاء الإرادي، وتحديد حالات الدخول الى المستشفيات، وطريقة المعاملة، وتحديد الحالات التي توجب موافقة المريض شخصياً على الدخول الى المستشفى أو من جانب الوصي...». يضيف بستاني: «العام الماضي تقدمنا بمشروع القانون الى المراجع المختصة، ولا نزال بانتظار إحالته الى البرلمان اللبناني لإقراره، وهو يتضمن الأسباب الموجبة للإقرار، وأنواع الاستشفاء، وحقوق المريض، وإجراءات الاستشفاء الإجباري، والعلاجات الاستثنائية».