صدر العام الفائت في فرنسا قانون متعلق بالاتصالات السمعية والمرئية وخدمات القطاع العام التلفزيوني، يقضي بوجوب تمثيل أفضل للتعدد في المجتمع وذلك في برامج المحطات الوطنية الأرضية المجانية وعلى «كنال بلوس». وقد اتخذت المحطات بموجب القانون التزامات لعام 2010، لتساهم عبر برامجها في تحسين تمثيل تنوع المجتمع الفرنسي. إن كان بعض ملامح التعدد والاختلاف الفكري والإنساني في المجتمع الفرنسي سبق وظهر في عدد من الأعمال التلفزيونية وفي سياسة التوظيف المتبعة في مجال الإعلام قبل صدور القانون المذكور، تجدر ملاحظة أن الأعمال التلفزيونية العربية شرعت هي الأخرى في الالتفات إلى مكونات المجتمعات العربية. في حين يقدّم بعض «المختلفين» في الأعمال الفرنسية، ولا سيما المثليين، بمناسبة وبغير مناسبة في نوع من التشديد اللجوج على وجوب إظهارهم كفئات مكونة للمجتمع الغربي على الجميع تقبلها، يشار في الأعمال العربية بخجل إلى كل ما يخرج عن المألوف والمعتاد أو بالأحرى المقبول اجتماعياً ودينياً. لكن عندما يتعلق الأمر بالديانة، فثمة تشابه في طريقة المعالجة من حيث إظهار الخصال الحسنة التي يتمتع بها «الآخر»، الذي هو في الواقع ليس «آخر» بل هو عنصر مكون للمجتمع مثله مثل الذي يقدمه. وبعدما كان ذوو الأصول العربية غائبين عن مسلسلات التلفزيون الفرنسي ولا يشكلون سوى عنصر عابر (بقال في معظم الأحوال) في حياة الشخصية الأصلية الفرنسية، شرعت شخصيات رئيسة أسماؤها كريم ونادية ورشيد... بالظهور درامياً، مثلها تماماً كمثل فئات من المجتمع العربي كانت هي الأخرى غائبة عنه «درامياً»، فبدأ المشاهد بملاحظة ظهور «إيجابي» مكثف لها. بدأ ذكر «الأخوة» في المسلسلات أولاً عبر الأسماء كأن يدعى الجار «جورج» مثلاً، وكان يجسد على الدوام شخصية محبة ومسالمة. ثم انطلقت المحاولات وأصبح هؤلاء جزءاً لا يتجزأ من الأحداث الدرامية. أما حين لا تبدي أحداث العمل أي اختلاف بين شخصيات الديانتين سواء كان شكلياً أو فكرياً، فيشار إلى الاختلاف الديني بطريقة ملحّة، عبر إظهار مستمر لفضائل «الآخر» وجعله يضع علامة واضحة في كل المشاهد تشير إلى دينه. وتمكن ملاحظة الأمر في مسلسل «خاص جداً» الذي تتزين فيه الشخصية التي تجسد دور القبطية، وفي كل المشاهد، بما يشير في شكل جلي إلى ديانتها. التعدد هو ظاهرة طبيعية، ومن الأفضل تقديمه بصورة طبيعية من دون قرار مسبق أو مبالغة أو تجميل، كما يحبذ أن يحل في سياق العمل الدرامي وألا يفرض عليه. وحين تخصص له أعمال كاملة أو يتكرر في شكل ملح، فهذا يصبغ العمل بالتصنع ويبعده عن تقبل الناس، كما أن الإصرار على جعل المختلف عنا في مجتمعنا فكرياً ودينياً وسلوكياً، إيجابياً على الدوام، في حين أن الخير والشر يوجدان في جميع عناصر المجتمع، ففي ذلك عنصرية تجاهه وحصر فوري في خانة «الآخر»، ما يبعد العمل عن الغاية المرجوة منه.