لا يسمعون لكنّهم يعرفون. لا يسمعون صوت الريح، لكنهم يضحكون لنسمات تلوّح وجوههم. يحاكون الريح بأصابعهم، فيرسمون تفاصيل الهواء. لا يسمعون تكتكة الساعات، لكنّهم يصغون الى صوت الزمن والأيام فيشيرون إلينا عن سرعتها أو تمهلّها. ربّما لم نتكلّم معهم كثيراً، لم نغنِ سويّة، ولم نتشاجر. كان هذا من قبل. ومن الآن فصاعداً، سنتمكّن سويّة من خرق حاجز الصمت، بفضل الموقع الإلكتروني العربي الأول للصمّ والبُكم «سنورفي» Snoorfi. يعرّف «سنورفي» عن نفسه بوصفه موقعاً رقمياً «للتواصل اجتماعياً، مخصّصاً لأصدقائنا الصمّ في أنحاء العالم كافة». أبصر هذا المشروع النور قبل أيام على يد خبير لغة الاشارة هشام سلمان. ويشير سلمان إلى أنه أدرك أنّ الصمّ في العالم يعانون نقصاً في الشبكات الالكترونيّة الاجتماعيّة التي تسمح لهم بالتعريف عن أنفسهم كأفراد لهم أفكارهم ومشاعرهم. ولذا، عمل على إنشاء موقع إلكترونيّ متطوّر يعتمد على الصورة والفيديو، بحيث يلتقي فيه الأصمّ مع نظيره، كي يشاركه آراءه وهواجسه، ويتواصل عبره مع العالم. أسرع من الصوت تستقبلك الصفحة الأولى من موقع «سنورفي» بعبارة «أسرع من الصوت»، وكأنّها تنبّهك إلى أن لغة الاشارة تصل أسرع من الصوت. تدخل الموقع فتتعرّف الى شخصيات المستخدمين من خلال أشرطة فيديو تعريفية، تقدّم نبذة عنهم. وفي غياب الصوت، تحضر أشرطة الفيديو والأفلام المصورة، التي تخدم من يستعمل لغة الإشارة خلال الدردشة. تسجّل تعليقاً. وتلتقي بوسام الذي يعيش في إسبانيا ويرغب في التعرّف اليك. يحدّثك بلغة الاشارة فترغب في تعلّمها. تدخل خانة تعلّم مخصّصة لتلك اللغة. تكتب بعض الكلمات، فتترجم لك شخصية «سنورفي» الكلمات الى إشارات ترسمها اليد والوجه. تبدأ بالتعلّم. تنضمّ الى مجموعات وأصدقاء يعاني بعضهم مشاكل في السمع. تتحاور معهم عبر الفيديو في خانة الدردشة. «تسمع» قصصهم. تكتب ملاحظاتك. تشاهد ابتساماتهم، و «تصغي» الى ذلك الصوت الذي لم تدركه من قبل. في أيام قليلة، حقّق الموقع نجاحاً كبيراً. انضمّ اليه كثير من المستخدمين الذين جاؤوا من دول متنوّعة مثل بلجيكا، اسبانيا، فرنسا، أميركا، السعودية، الفيليبين وغيرها. ولانّ لغة الاشارة غير موحّدة عالمياً، يبثّ الموقع باللغة العربية، الفرنسية، الانكليزية والاسبانيّة. ونعرف أن سلمان تعلّم هذه اللغات تجريبياً، بمعونة رفاق له من الخارج، صاروا من المروّجين لهذا الموقع في مجتمعاتهم. يطمح سلمان بالوصول الى أكبر عدد من الأشخاص في فضاء الانترنت، تحقيقاً لحلمه في دمج الصمّ اجتماعياً بصورة طبيعية. ويؤمن بضرورة انخراط الصمّ في مجتمعاتهم على رغم أن بعضها، خصوصاً في الدول العربية، لا يؤمّن لهم أبسط الحقوق في العمل والطبابة والتعليم وغيرها. ويعتبِر سلمان الأصم إنساناً يعاني ضعفاً في السمع، ولكنّه يتمتّع بقلب كبير وذهن يقظ. ويتحدث عن الصعوبات التي واجهته ماديّاً وتقنيّاً، ما زاده قدرة على تحمّل هذه المسؤوليّة الدقيقة والحسّاسة التي يشاركه بها فريق عمل يضمّ زوجته حنان، ومبرمج الموقع محمد مشيمش، ورسّام الشخصيات حسين سبلاني، إضافة الى الدعم من «مؤسسة الوليد بن طلال الانسانيّة». وأثناء تحضير الموقع، واجه فريق العمل بعض الاحباطات، التي لم تمنعه من الاستمرار. وإضافة الى خدمات اخرى، يحاول «سنورفي» حثّ الأصمّ على التكلّم، من خلال تسجيل نماذج من رسائل صوتيّة يمكن إرسالها الى الاصدقاء، أو استعمالها في التعليق على الرسائل الواردة اليه. ويضم الموقع غرفاً للدردشة، تتيح الحديث بسرية بين الاصدقاء. قبل ست سنوات، قدّم هشام قرصاً ممغنطاً حول لغة الاشارة، يضمّ ألف كلمة ومئة جملة و10 حوارات. ويراهن بفرح وتفاؤل على نجاح هذا الموقع، مبدياً اهتمامه بالتعليقات والملاحظات التي يرى انها تعينه على تطوير الموقع. ويسعى الى التعريف عنه في جامعات لبنان ومدارسه، مستحضراً في ذهنه دائماً الموسيقار الكبير بيتهوفن الذي حرك مشاعر الملايين، على رغم معاناته الصمّ. يدخل ماهر الذي يعاني مشاكل في السمع موقع «سنورفي»، وحيداً، يعاني من عزلة فرضها عليه مجتمعه، ثم يسجّل فيديو خاصاً به. وسرعان ما ينضمّ الى مجموعة من الأصدقاء، ويبدأ التكلّم معهم بلغة الاشارة، أو يبعث برسالة الى صديقة في أوروبا، أو يشارك في حدث يذكره الموقع. يأمل بأنه سيلتقي فتاة أحلامه التي سيذهب بها الحبّ الى تعلّم لغة الاشارة، كي يرسما بصمتهما ذبذبات إلكترونية تحمل كلماتهما الى العالم. للمزيد من المعلومات، يمكن زيارة موقع «سنورفي. كوم» snoorfi.co.