توقف القتال في معظم أنحاء سورية وتوقفت الغارات الجوية الروسية اليوم (السبت) في اليوم الأول لاتفاق وقف الأعمال القتالية الذي وصفته الأممالمتحدة بأنه أفضل أمل لتحقيق السلام بعد حرب دامت خمس سنوات. وتقضي الخطة الأميركية-الروسية التي قبلتها حكومة الرئيس السوري بشار الأسد والكثير من خصومه بأن يتوقف القتال حتى يتسنى وصول المساعدات للمدنيين وبدء المفاوضات لإنهاء الحرب التي قتلت أكثر من 250 ألف شخص وشردت 11 مليونا. وقالت روسيا، التي أعلنت عزمها مواصلة غاراتها على مناطق خاضعة لسيطرة مقاتلين متشددين لا يغطيها اتفاق وقف القتال، إنها ستعلق كل طلعاتها الجوية فوق سورية في اليوم الأول لضمان عدم قصف أي أهداف من طريق الخطأ. واتفاق وقف العمليات القتالية صامد فيما يبدو إلى حد كبير رغم أن مسلحين من المعارضة تحدثوا عما وصفوه بانتهاكات متقطعة من جانب القوات الحكومية للاتفاق . وحذر قائد ميداني من أن هذه الانتهاكات يمكن أن تؤدي إلى انهيار الاتفاق. وقالت جماعة «جيش النصر»، التابعة ل«الجيش السوري الحر» والتي أيدت الهدنة، إن القوات الحكومية أطلقت قذائف مورتر وصواريخ ونيران أسلحة رشاشة في محافظة حماة وإن طائرات حربية تحلق باستمرار في السماء. وقال مدير المكتب الإعلامي للجماعة محمد رشيد إن «هذا لا يمثل شيئا مقارنة باليوم السابق لكنه أضاف أنهم يعتبرون ذلك انتهاكا للهدنة». وقالت جماعة «ألوية سيف الشام» إن اثنين من مقاتليها قُتلا وأصيب أربعة آخرون في قصف لدبابات القوات الحكومية في مناطق ريفية غربي دمشق. إلا ان مصدر عسكري سوري نفى انتهاك الجيش لاتفاق وقف العمليات القتالية. وأشارت وسائل إعلام رسمية إلى وقوع هجمات بالقذائف الصاروخية قرب دمشق وعدة هجمات مميتة شنها تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). لكن بوجه عام انحسر مستوى العنف إلى حد كبير. وقال مبعوث الأممالمتحدة لسورية ستافان دي ميستورا في مؤتمر صحافي عند منتصف الليل في جنيف «فلنبتهل لنجاحها لأن هذه أفضل فرصة يمكن أن نتخيل حصول الشعب السوري عليها خلال السنوات الخمس الأخيرة كي يرى شيئا أفضل ونتعشم أن يكون شيئا له صلة بالسلام». وأضاف «أعتقد أن الشعور الذي لدينا اليوم هو أن الوضع مختلف جدا ولكن يتحتم بالطبع مراقبة ما يحدث كل يوم». وأكد دي ميستورا أنه ينوي استئناف محادثات السلام في السابع من مارس أذار شريطة صمود وقف العمليات القتالية بشكل كبير. والاتفاق هو الأول من نوعه منذ أربعة أعوام وإذا صمد فسيكون أنجح هدنة في هذه الحرب حتى الآن، ولا يشمل الجماعات المتشددة مثل «داعش» و«جبهة النصرة» جناح تنظيم «القاعدة» في سورية. وتقول موسكوودمشق إنهما ستواصلان قتال مثل هذه الجماعات لكن جماعات مسلحة أخرى تقول إنها تخشى من استغلال ذلك كمبرر لشن هجمات ضدها. والهدنة تتويج لمساع دبلوماسية جديدة سلطت الضوء على ساحة القتال التي تغيرت بشدة بعدما انضمت روسيا للحرب في أيلول (سبتمبر) بضربات جوية بهدف إلى مساعدة الأسد. وأطاح تدخل موسكو فعليا بالآمال التي راودت أعداءه على مدى خمس سنوات، بدعم من دول عربية وغربية، بإسقاطه بالقوة. واظهرت تقارير صدرت في وقت مبكر وقوع أعمال عنف، وقالت جماعة تابعة للمعارضة السورية المسلحة في شمال غرب سورية إن ثلاثة من مقاتليها قتلوا بينما كانوا يصدون هجوما من القوات البرية الحكومية بعد بضع ساعات من دخول الخطة حيز التنفيذ. ووصف الناطق باسم الجماعة ما حدث بأنه انتهاك للاتفاق. وذكرت وسائل الإعلام السورية الرسمية أن ستة أشخاص على الأقل قتلوا وأصيب آخرون في تفجيرين انتحاريين شرقي مدينة حماة أحدهما باستخدام سيارة ملغومة أعلنت «داعش» المسؤولية عنه. وقُتِلَ ثلاثة أطفال وأصيب 12 في هجوم آخر ل«داعش» في حي الجورة في محافظة دير الزور. وقال الناطق باسم الفرقة الساحلية الأولى التابعة ل«لجيش السوري الحر» في محافظة اللاذقية فادي أحمد إن «طائرات هليكوبتر تابعة للحكومة أسقطت ثمانية براميل متفجرة على المنطقة بعد ظهر اليوم». ويتهم معارضو الأسد منذ وقت طويل الحكومة باستخدام هذه البراميل. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن «القوات الحكومية أسقطت خمسة براميل متفجرة على قرية في منطقة الناجية في محافظة إدلب». وتخضع القرية لسيطرة عدة جماعات منها «جبهة النصرة». وقال سكان ومصادر بالمعارضة المسلحة إن مقاتلي «جبهة النصرة» انسحبوا من مناطق سكنية في عدة بلدات يديرونها في محافظة إدلب اليوم لتجنب إلقاء السكان باللوم عليهم في سقوط قتلى مدنيين إذا قصفت روسيا تلك المناطق. وقالت «وحدات حماية الشعب الكردية» السورية إن مقاتلي «داعش» هاجموا بلدة تل أبيض القريبة من الحدود التركية. وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها «ستعلق الضربات الجوية في منطقة خضراء حددت بأنها الأجزاء التي تسيطر عليها الجماعات التي وافقت على وقف العمليات القتالية وأضافت أنها لم تنفذ أي طلعات على الإطلاق اليوم السبت». وأضافت الوزارة أنه «نظرا لسريان قرار مجلس الأمن الدولي الذي يدعم الاتفاقات الأميركية-الروسية في شأن وقف إطلاق النار ولتجنب أي أخطاء محتملة عند شن الضربات الجوية، لن تشن الطائرات العسكرية الروسية بما في ذلك الطيران بعيد المدى أي طلعات على الأراضي السورية في 27 شباط (فبراير)». وارسلت موسكو قائمة تضم 6111 مقاتلا مشتركين في اتفاق وقف إطلاق النار وقائمة مفصلة تشمل 74 منطقة مكتظة بالسكان يجب تفادي قصفها إلى للولايات المتحدة. وقال أحد مسلحي المعارضة أن قوات الحكومة قصفت لفترة وجيزة بالمدفعية قرية في محافظة حلب والتي وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن إن «الهدوء ساد في دمشق وريفها للمرة الأولى منذ سنوات وإن قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية لم تشهد نشاطا للطائرات في إشارة إلى القاعدة التي تستخدمها الطائرات الروسية». وطالب مجلس الأمن الدولي بالإجماع في وقت متأخر من ليلة أمس الجمعة كل أطراف الصراع بالالتزام ببنود الخطة. وقال دي ميستورا إنه يعتزم استئناف محادثات السلام في السابع من مارس آذار بشرط صمود وقف إطلاق النار بدرجة كبيرة. وانهارت محادثات السلام التي تدعمها الأممالمتحدة في وقت سابق من هذا الشهر حتى قبل أن تبدأ بعدما رفض مسلحو المعارضة التفاوض تحت القصف. واقتربت القوات الحكومية المدعومة بالضربات الجوية الروسية في الأسابيع الأخيرة من تطويق حلب أكبر مدينة سورية قبل الحرب بشكل يهدد بإغلاق الحدود مع تركيا الذي يشكل خط الإمداد الرئيسي للمناطق التي يسيطر عليها مسلحو المعارضة.