المُدن السعودية.. تنميةٌ واستدامة    المملكة تستعرض جهودها لحماية البيئة    فتيات ينتجن مستحضرات من التمور    دعوة لتبني تقنياتٍ جديدة لتعزيز استدامة البيئة البحرية    خفض متوقع لأسعار النفط إلى آسيا في ديسمبر وسط ضعف الطلب    مجموعة فقيه تحتفل بخريجي البورد السعودي والزمالات الدقيقة وتكرّم الفائزين بجوائز الدكتور سليمان فقيه    اتفاقية بين المملكة وكوسوفا لتسهيل نقل الحجاج والمعتمرين    بعد 156 عاما إثيوبيا تستعيد تحفة تاريخية    الفيفا ينهي مرحلة التقييم لملف السعودية لاستضافة كأس العالم 2034    التعاون يواصل التعثر في «دوري روشن» بالتعادل مع الخلود    الهلال الأحمر بالجوف يرفع جاهزيته    أمانة القصيم تعالج آثار الحالة المطرية    طلاب جازان يتفننون بالابتكارات والبحوث    خطيب المسجد الحرام: الزموا حفظ كرامة البيوت    خطيب المسجد النبوي: املؤوا قلوبكم بحُب الرسول والشوق إليه    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يُنقذ "ستينية" مصابة بالسكري من بتر الساق    «سعود الطبية» تنفذ 134 ألف زيارة رعاية منزلية في خمس سنوات    أول صور ثلاثية للغدة الزعترية    المملكة تعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف بالسودان    أودية ومتنزهات برية    مخالفو الإقامة الأكثر في قائمة المضبوطين    30 جهة تشارك في المنتدى الحضري العالمي بالقاهرة    بالإجماع.. إعادة انتخاب عبدالله كامل رئيساً لإدارة مجلس «عكاظ» ل 5 سنوات    جدة: القبض على 5 لترويجهم 77,080 قرص «أمفيتامين» و9,100 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    ميقاتي يتابع قضية اختطاف مواطن لبناني    دوري روشن: الفتح يلحق بتعادل إيجابي امام ضيفه الفيحاء    حين تصبح الثقافة إنساناً    فرع الصحة بجازان ينظم مبادرة "مجتمع صحي واعي" في صبيا    وزير الإعلام يرعى ملتقى المسؤولية المجتمعية الثاني في 20 نوفمبر    في الجوف: صالون أدب يعزف على زخات المطر    الجوف تكتسي بالبياض إثر بردية كثيفة    257,789 طالبا وطالبة في اختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول بتعليم جازان    الهلال يطوي صفحة الدوري مؤقتاً ويفتح ملف «نخبة آسيا»    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تعقد المؤتمر العالمي لطب الأعصاب    اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر    الأردن: لن نسمح بمرور الصواريخ أو المسيرات عبر أجوائنا    إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية    رونالدو يعلق على تعادل النصر في ديربي الرياض    وسم تختتم مشاركتها في أبحاث وعلاج التصلب المتعدد MENACTRIMS بجدة    حقيقة انتقال نيمار إلى إنتر ميامي    مرثية مشاري بن سعود بن ناصر بن فرحان آل سعود    مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    دبي.. رسالة «واتساب» تقود امرأة إلى المحاكمة    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نفي الحداثة وثأر التاريخ
نشر في الحياة يوم 08 - 05 - 2009

درجت النخب في بلادنا، منذ مطلع عصر النهضة، تحت ضغط الشعور بالدونية إزاء الآخر من جهة، وتحت ضغط سيكولوجيا الذات الجريحة من جهة ثانية، على إيجاد التوليفات الانتقائية، التي تتسم ب»الهبش» الأيديولوجي من التراث ومن العصرنة معاً.
أرادت هذه النخب، كما يقول ياسين الحافظ، الدخول خلسة ًإلى العصر، أو بمباركة من التراث، لذا أقامت مصالحة «مدلسة» مع التقليد أدت إلى «تقلدة» الأفكار والمفاهيم الحديثة. فكان «مكر» التاريخ بالمصطلح الهيغلي، واقفاً بالمرصاد لظاهرة إقصاء الحداثة من حياتنا الثقافية والاجتماعية.
ثأر التاريخ بالأمس من «اشتراكياتنا» الكدحانية، التي أوّلت ماركس وأخواته تأويلاً استبدادياً، بقطعهم عن جذرهم التنويري، وباقتلاعهم عن ديكارت وسبينوزا وجان جاك روسو وهيغل وفويرباخ، فآلت تلك «الاشتراكيات» إلى تعميم الجهل والفقر والاستبداد والتأخر بكافة صوره، وأنتجت الأرضية الأيديولوجية لنمو وصعود حركات التطرف الديني.
ولم تستطع حل إشكاليات التكسير العمودي في مجتمعاتها، لا بل تراكبت عليه، ووظفته توظيفاً سياسوياً ومصلحياً، رغم خطورة ذلك على قضية الاندماج المجتمعي، ووصلت بالتالي إلى التصحر المادي والروحي، وإلى استلاب البشر سياسياً وثقافياً واقتصادياً. فالاستلاب في أحد أهم أشكاله هو تفارق النتائج عن الأهداف بتدخل مكر التاريخ.
كذلك نجد اليوم إنزياحاً، لدى نخب الأمس اليسارية و القومية/ الاشتراكية، إلى تبني الديموقراطية بوصفها أيديولوجيا خلاصية، بنفس الأدوات وبذات المناهج والعقليات التي كانت تحكم خلاصيتهم الاشتراكية.
إن عزل المسألة الديموقراطية عن امتدادها الحداثي، يحولها إلى مجرد شعار سياسوي وأيديولوجيا تعبوية، أي اختزالها بصندوق الاقتراع، أو إلى تسويات «توافقية» بين تشكيلات اجتماعية ما قبل وطنية، كما في الحالتين اللبنانية تاريخياً والعراقية حديثاً.
كما أن عزل لحاء الديموقراطية عن نسغها الحداثي، يحولها إلى مجرد استثمار في الكم، وطغيان أكثرية عددية ذات طبيعة سكونية ودهرية على أقليات لن تستطيع التحول أبداً إلى أكثرية، بحكم السيماء الإثنية أو المذهبية أو الطائفية لطبيعة الأقلية والأكثرية في المجتمعات المتأخرة، بعكس الأقلية والأكثرية السياسيتين، إذ تتحول إحداهما إلى الأخرى وبالعكس، بحكم طبيعة الحياة السياسية الحديثة.
إن النظر إلى حالة التحشيد والتجييش الطائفي والمذهبي، التي ترافق الحملات الانتخابية النيابية اللبنانية، بعد أربع سنوات من شعارات الحرية والسيادة والاستقلال وبناء الدولة، والنظر إلى حرب السيارات المفخخة بين الشيعة والسنّة في العراق، والتوتر المكبوت حيناً والمتفجر حيناً آخر بين العرب والأكراد بعد انهيار السلطة الشمولية، والنظر إلى مناشدة الكويتيين أميرهم حل البرلمان، بعد أن حولته السلفية الدينية إلى محكمة تفتيش، والنظر إلى الحالة الفلسطينية التي حسمت فيها الخلافات السياسية عبر فوهات البنادق و ليس من خلال قنوات البرلمان...، إن النظر إلى هذه الحالات يمكّننا من القول: إن التاريخ كما ثأر بالأمس من «الاشتراكيات» المتأخرة، يثأر اليوم من «الديموقراطيات» المتأخرة أيضاً. فالديموقراطية مقطوعة عن الحداثة تساوي الاحتراب الداخلي في أسوأ الحالات، وفي أحسن الحالات تساوي الاستبداد الأكثروي بالمعنى الإثني أو الطائفي.
هذا يدعونا إلى الدعوة لتأسيس الديموقراطية على منظومة الحداثة من علمانية و أنسية وعقلانية ومواطنية وسيادة للقانون الوضعي ولدولة الحق والقانون إلخ.
والديموقراطية كما يقول المفكر الراحل إلياس مرقص هي: الليبرالية مضافاً إليها مفهوم الشعب، وهو غير النزعة الشعبوية، فهو مفهوم سياسي بامتياز يشكل حداً على الليبرالية، ويمنع تحولها إلى أوليغارشية نخبوية، كما أن الليبرالية تشكل حداً على الديموقراطية، وتمنع تحولها إلى مسار لطغيان جماهيري.
فلا ديموقراطية من دون الحداثة، وعلى الأخص ذروتها الدولة المدنية الحديثة. الديموقراطية من دون الدولة فوضى واستبداد طوائف وعشائر وإثنيات، وهذا هو ثأر التاريخ.
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.