من طفل عُثر عليه في حقل زراعي، وآخر معوّق ذهنياً كان يجول في باصات النقل العام وحده، وطفلة في حضانة أب دائم التعذيب لها، إلى أخرى أوشك أهلها على تزويجها بمسنّ، وأخرى تتعرّض لاعتداءات جنسية من خالها، الى مئات من أطفال دور الرعاية استُغلوا للاحتشاد في اعتصام «رابعة» أو المشاركة في تظاهرات «التحرير» أو المساهمة في حرق مبنى حكومي هنا أو مهاجمة متظاهرين هناك، لم يكفّ جرس الهاتف عن الرنين على مدار السنوات العشر الماضية. لكنه ليس كأي هاتف. إنه هاتف «خط نجدة الطفل»، أحد أهم إنجازات المجلس القومي للطفولة والأمومة وأنجحها وأخطرها وأكثرها حساسية. الخط الذي دشّن عام 2005، حين كانت السفيرة مشيرة خطاب رئيسة للمجلس، قوبل باستغراب كثر وبعض من التشكّك وقليل من الترحيب، لكنه أثبت بالأرقام والحالات أنه ليس مجرّد خط، بل طوق نجاة في إمكانه إنقاذ ملايين. ولحسن الحظ، أن خطوط نجدة الطفل باتت تجربة عربية تفخر بها دول عدة في المنطقة، لا سيما في هذه الأيام الصعبة. قبل أيام، استضافت مصر الاجتماع التشاوري الإقليمي السادس لخطوط مساندة أمن الطفل، تزامناً مع رئاسة مصر لجنة الطفولة العربية. وحيث أن المنطقة العربية برمتها تمر بأوضاع استثنائية تؤثر تأثيراً مباشراً وغير مباشر في ملايين الأطفال العرب، وذلك في غفلة من كثر، حيث يسرق «داعش» والصراعات الدائرة الأضواء بعيداً من مآسي الأطفال اليومية. فقد جاء اللقاء في مثابة نقطة أمل في عتمة المنطقة. ولفتت أمين عام المجلس الدكتورة هالة أبو علم، إلى ضرورة تجديد الالتزام بالعمل على الحفاظ على حقوق الطفل العربي عبر وصول خدمات خطوط مساندة الأطفال، لا سيما المهمّشين، وإيجاد الفرص التي تطلق أصواتهم للتعبير عن مشكلاتهم وآرائهم وحاجاتهم، وما أكثرها. وركّزت المديرة التنفيذية لمنظمة خطوط النجدة الدولية CHI الدكتورة شيلا دونفان، على أهمية خطوط النجدة التي تُعد نقاط اتصال للأطفال والأهل والأسرة والبالغين والاختصاصيين والمعنيين بالأطفال، للتدخّل في حالة الخطورة التي يتعرّض لها الأطفال. ولفتت إلى أن هذه الخطوط التي انتشرت في بلدان عربية عدة، تستدعي تدريباً مكثّفاً، إضافة إلى الدور الوقائي الذي يمكن أن تقوم به، مشيرة إلى أهمية دعم دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تسهيل عمل الخطوط في الإقليم، لا سيما في ظل النزاعات وظروف عدم الاستقرار في العالم العربي. وتتقاذف العالم العربي وأطفاله رياح الصراعات تارة، والهجرة واللجوء طوراً، وعدم الاستقرار والخوف والقلق دائماً. وقالت مديرة إدارة المرأة والأسرة والطفولة في جامعة الدول العربية، السفيرة إيناس مكاوي، إن وضع الطفولة العربية يحتاج إلى اهتمام مستمر، ما يجعل خطوط مساندة الأطفال ونجدتهم بالغة الأهمية، لا سيما في ظل الظروف العربية الراهنة. ووصفت هذه الخطوط ب «أدوات إنقاذ ووقاية وحماية وتعزيز حقوق الأطفال»، مطالبة بآلية عمل لهذه الخطوط في ظل النزاعات والعنف، لافتة إلى الكلفة المادية للعنف التي تتحمّلها موازنات الدول، والتي تفوق كلفة برامج الحماية. كما نبّهت إلى حتمية الإسراع في إيجاد خدمات للأطفال العرب اللاجئين والنازحين، وحماية الصغار من التجنيد في الجماعات الإرهابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ويبقى تحدّي حماية الأطفال من أخطار الشبكة العنكبوتية مستمراً في ظل صعوبة معرفة ما يتعرّض له الصغار (والكبار أيضاً) على الشبكة. وعرضت مديرة البرامج في الاتحاد الدولي للاتصالات روضة الأمير، مبادرة حماية الأطفال على الإنترنت، الهادفة إلى تحديد الأخطار التي تهدّدهم، والتوعية منها وتبادل المعرفة والخبرات، مع تأكيد أهمية تفعيل المبادرة قبل حلول عام 2020. المسؤول في مؤسسة «سوا» الفلسطينية جلال خضر، قال أن خط النجدة الفلسطيني «121» يركّز أولاً على الحاجات الإنسانية، ثم المتطلّبات النفسية، موضحاً أن غالبية البلاغات تصدر عن أهالي الأطفال الذين يعانون تبوّلاً واضطرابات النوم والكوابيس، والشعور المستمر بالفزع والانطوائية وبآلام في الجسم من دون أسباب مرضية والتقيؤ، إضافة إلى حالات الفقدان. وأوضح أن الحاجة الأكبر هي إلى تقديم الدعم النفسي في فترات النزاع المسلّح من خلال الإصغاء للأطفال ومخاوفهم واحتواء مشاعرهم، وإعطائهم إرشادات أولية لكيفية الحفاظ على أنفسهم وضمان سلامتهم خلال القصف. ويتحوّل خط النجدة الفلسطيني في حالات الحروب، إلى خط طوارئ يعمل على مدار الساعة. ويذكر أنه بالتعاون مع منظمة «يونيسيف» وإحدى شركات الاتصالات، أرسلت 600 ألف رسالة نصية إلى أهالي غزة توجِّههم إلى الاتصال على خط «سوا» لتلقّي الدعم الأولي، موضحاً أن الخط لا يعاود الاتصال بالضحايا حرصاً على سلامتهم ولترك مساحة لهم لحل مشكلاتهم. ومن فلسطين إلى العراق، حيث تعني الطوارئ والنزاعات أطفالاً لاجئين ونازحين ومعرّضين للخطر. ويشير المستشار القانوني في خط مساعدة الأطفال في العراق وليد خالد، إلى أنه في ظل النزاعات المسلّحة، تكون الحاجة ماسة إلى تقديم الدعم والمساعدة للأطفال. وتحدّد لوائح للمتطوعين الذين يعملون كفرق انتشار يستطيع المتضررون الوصول إليها والتواصل معها. كما أن الخط يساعد الأطفال الذين يتفرّقون عن أسرهم في مثل تلك الأوضاع، على التواصل مع ذويهم وتجميع شتات الأسر. وأدت الهجمات الإرهابية الأخيرة المتلاحقة في العراق، لا سيما في محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار، إلى تكثيف جهود العمل في خط نجدة الأطفال العراقي «116»، ليشمل أفراد الأسر وليس الأطفال فقط. ويوضح المسؤول في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية زيتو توفيق، أنه بالتنسيق مع منظمة «يونيسف»، بات العمل على مدار الساعة. كما تقدَّم الخدمة لكل أفراد الأسرة لمساعدتهم على تجاوز المحنة. وتغير اسم الخط من «خط نجدة الطفل 116» الى «خط نجدة الطفل والعائلة 116»، إضافة إلى إجراء حملة توعية واسعة عبره للنازحين مدتها 30 يوماً، لإرشادهم إلى الخدمات التي يوفرها لهم ومساعدتهم في إيصال طلباتهم والمعلومات اللازمة إلى الجهات المعنية. في الأردن، نجحت الجهات المعنية إلى حدّ كبير، في العمل تحت مظلة التشبيك التي وفّرها خط مساندة الطفل «110»، وهو الخط العامل منذ عام 2006. ولفت الدكتور ماجد العيسى، مسؤول خط مساندة الأطفال في السعودية «116111»، الذي بدأ في عام 2013، الى أن هذه الخدمة تهدف إلى التواصل مع الأطفال، وبناء الثقة معهم، مشدداً على ضرورة تطوير الأداء لضمان الجودة والشمولية. وبما أن أوضاع الطفل العربي تتشابه إلى حد التطابق أحياناً، لا سيما في ما يتعلّق بأماكن النزاع والنزوح والتهجير والعنف، إضافة إلى أشكال العنف الكلاسيكية الأخرى، فقد بدت دعوة السفيرة مكاوي إلى اعتبار المجلس القومي للطفولة والأمومة وجامعة الدول العربية ومنظمة خطوط النجدة الدولية، في مثابة مرجعية عربية لتبادل الخبرات في مجالات حماية الطفولة ورعايتها، لا سيما أن «العروبة حقيقة وهوية والأمة لها مصير واحد»، إلا أن تبادل الخبرات لن يكفي في زمن يُقتل فيها الأطفال ويهجرون وينزحون و «يبعدون» من أسرهم.