حذر عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الأحساء الشيخ الدكتور سعود العقيل، خطباء الجوامع من «التعجل في الفتوى». وقال: «ليس كل من فتح له باب الخطابة أو الوعظ أو التربية مؤهلاً للإفتاء، وبخاصة في النوازل» مستشهداً بتدافع الصحابة عن الفتوى. وعد ذلك من «الإفتاء بغير علم، وتوسيع دائرة الفتيا، لتشمل من لم يتأهل لها، لمعرفة واقع المجتمع من الفوضى الفكرية في مواجهة سيل الفتاوى». ودعا الخطباء إلى «عدم الإجابة على أسئلة المصليين مباشرة، وردهم إلى أهل العلم، أو انتظار رأي هيئة كبار العلماء، وبخاصة فيما يتعلق في النوازل». وقدم العقيل، مساء أول من أمس، ورقة عمل في ندوة «الأمن الفكري»، التي نظمها فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المنطقة الشرقية، تحت عنوان «الأمن الديني والفكري» التي حضرها 700 خطيب جامع في المنطقة. وأكد أن للأمن الفكري «آثارًا إيجابية إذا ما نزل إلى الواقع، تتمثل في بلوغ الأمة عزها ومجدها، وترسيخ مبدأ العقيدة الإسلامية الصحيحة في النفوس، وإظهار وسطية الإسلام واعتداله وتوازنه، وإتاحة الفرصة الكاملة للحوار الرشيد داخل المجتمع الواحد، وربط الشباب في ولاة أمرهم، وترسيخ مفهوم حب الوطن، والتحذير من الأفكار المنحرفة، وتوحيد المرجعية الدينية في الفتوى، وبخاصة في النوازل الكبار». وذكر أن «غياب الأمن الفكري يؤدي إلى اختلال الأمن، وتوقف الحركة الاقتصادية، وانحسار انتشار الدعوة الإسلامية في البلدان، وتسجيل قصور في الجوانب العقدية والتساهل في مجالات الدعوة والحسبة». بدوره، أكد رئيس محكمة الاستئناف في الشرقية الشيخ عبد الرحمن الرقيب، أن «على الخطباء دور مهم في بيان موقف الإسلام من الإرهاب والتكفير، على ضوء مقاصد الإسلام العظمى، وترسيخ وسطية الإسلام في الفكر والأخلاق والتعامل والتعريف بالأفكار الضالة والآراء الهدامة المنحرفة، وتوضيح موقف الإسلام من القضايا المعاصرة والحوادث النازلة التي تهم المجتمع»، مشدداً على ضرورة أن «يكون الخطيب على علم ودراية بما سيتحدث عنه، ومساهماً في تأصيل الانتماء، وتحقيق المواطنة الصالحة وأهمية الأمن في المجتمع، وما يمثله من نمو اقتصادي واجتماعي». وأشار الرقيب، إلى أن الأمن الفكري المنشود هو أن «يعيش المسلمون في بلادهم آمنين على مكونات أصالتهم وثقافتهم النوعية ومنظومتهم الفكرية المنبثقة من القرآن والسنة». وأضاف أنه «متى اطمأن المسلمون على خصائص ثقافتهم ومميزات فكرهم، وأمنوا على ذلك من لوثات الفكر الدخيل وغوائل الثقافة المستوردة، فقد تحقق لهم الأمن الفكري». ونبه إلى أن «الأمن الفكري يقابله الانحراف الفكري، وهو الخروج عن الحد الشرعي، الذي ورد في القرآن أو السنة، أو إجماع العلماء على حرمته، مثل الإلحاد والتكفير بغير علم، والبغي والمحرمات والابتداع والتعصب، وغير ذلك من الشبهات والشهوات التي تثار بين الحين والآخر». وأبان أن «للأمن الفكري مظاهر، تتمثل في «سلامة المنهج، والالتزام في الوسطية، والاستقرار النفسي، وكمال الشخصية، وسلامة العقل، وحسن التعامل مع الآخرين، والقدرة على التمييز بين الخير والشر». وعدَّ العلاقة بين الأمن الفكري والأمن الوطني ب «الوثيقة». وقال: «إن الأمن الفكري يشكل عمقاً استراتيجياً للأمن الوطني، فهو مرتبط في هوية الأمة وعقيدتها، واستقرار قيمها»، معتبراً الأمن الفكري «محور الارتكاز لأمن الوطن». وحذر من «التأثير السلبي للعولمة على الأمن الفكري، من خلال نشر ثقافة الإلحاد، وإعلان الحرية المطلقة الزائفة، وتحويل الإنسان لقطب رحى تدور عليه جميع الأنظمة والقوانين. كما أن للعولمة تأثيراً سلبياً على الأخلاق، بنشر ثقافة الفجور والتحلل الجنسي والشذوذ. كما تؤثر سلبياً في الجانب الاجتماعي، بإعلان الحرب على النظام الأسري، ونشر الفوضى الاجتماعية المتجردة من كل رابط فيه الرحمة والشفقة». وحمّل الإعلام «مسؤولية الخطر الذي يحدّق في المجتمع، من خلال البرامج التلفزيونية الأجنبية، التي تبرز الثقافة الأجنبية بألوانها المختلفة، من إلحاد، وتمرد شنيع على المنهج الإسلامي، وتصوير للأدب الإباحي المنفلت». واشترط أن يكون الأمن الفكري «منبثقاً من دين الإسلام، ومتمشياً مع مقاصد الشريعة وأحكامها، وأن يُتلقى من مصدره الصحيح، من خلال العلماء الربانيين، وممن يثق في دينهم، مع قيام ولاة الأمر عليه، وأن يكون شاملاً وبعيداً عن الفوضى الفكرية والاجتماعية، لتضبط عملية التفكير لدى الأفراد والباحثين، في إطار الثوابت الأساسية في الإسلام». بدوره، طالب إمام وخطيب جامع المجدوعي في الدمام مروان القادري، بأن تكون هناك «أدلة ومراجع، تساعد الخطباء في الحوار مع من يحملون شبهات، فتكون هذه الأدلة مرجعية علمية لتفنيدها». وحمل المسؤولية على «لجان المناصحة، والمراكز المتخصصة، لإجراء دراسة حول أسباب تغلغل هذه الأفكار بين الجيل الجديد، على أن تقدم للخطباء، لتكون مرجعاُ لهم في الرد عليها، وحتى توقف باب الاجتهاد الذي يمارسه بعض الخطباء في الرد على من يحملون الشبهات».