كل 15 دقيقة نفقِد مواطناً عربياً بسبب حوادث المرور. ويغيّب الموت اكثر من 36 ألف إنسان في الدول العربية، فضلاً عن إصابة 400 ألف آخرين، بعضهم يعيش بقية حياته شبه ميت. هذه الأرقام المفزعة كشفها تقرير المنظمة العربية للسلامة المرورية، الذي أشار الى أن الدول العربية تصنَّف في المرتبة الأولى عالمياً في مجال ضحايا حوادث المرور، وتعيش وضعاً مأسوياً شبّهه التقرير ب «حرب شوارع»، ويزيد عدد الحوادث في شوارعنا عن نصف مليون سنوياً. الأرقام التي نقلها تقرير المنظمة لا تعكس الحقيقة. فالثابت أن من يتوفى لاحقاً من المصابين لا يدخل في إحصاءات قتلى الحوادث. إحصاءات الحوادث في الدول العربية لا تعترف إلا بمن يقضي في مكان الحادث، فضلاً عن ان معظم أجهزة المرور في البلاد العربية لا ينقل أرقاماً دقيقة، إما بسبب ضعف أنظمة الإحصاء والرصد، وإما بسبب تعمد إخفاء الأرقام، لمداراة التقصير في أنظمة السلامة المرورية. صحيح أن هذا الأسلوب تغيّر في السنوات الأخيرة، وأصبح بعض أجهزة المرور يدرك خطورة حجب المعلومات عن الباحثين ووسائل الإعلام. وبصرف النظر عن العبث بالمعلومات وإخفاء الأرقام، فإن أرقام قتلى حوادث المرور التي نقلها التقرير مفزعة، بل إن حوادث المرور حصدت من الأرواح اكثر مما فعل الارهاب الذي يجرى التركيز عليه على نحو غيّب الاهتمام بالقضايا الأخرى الأمنية، وعلى رأسها سلامة إجراءات المرور وأنظمته. لا شك في أن الإرهاب ظاهرة خطيرة، وهو أصبح وسيلة لضرب استقرار الدول، لكن مفهوم الأمن لا ينحصر في قضية الإرهاب، ويجب ألا يكون الاهتمام بالإرهاب وسيلة لإهمال القضايا الأخرى، والمرور على رأسها. فالمدن العربية تشهد حرباً طاحنة في شوارعها، لكنها لا تزال حرباً مهملة أو مسكوتاً عنها، والسبب ان الأجهزة الأمنية في كل الدول العربية كرست كل طاقاتها، وأفرادها لمواجهة ظاهرة الإرهاب، وحققت نجاحات كبيرة في هذا المجال. لكن هذا النجاح في مواجهة الإرهاب كان على حساب سلامة المرور، وإن شئت إهمال المرور، حتى أصبحت قيادة السيارة في معظم المدن العربية مغامرة خطيرة، وباتت أرقام القتلى والجرحى تستدعي اهتماماً يماثل اهتمامنا بظاهرة الإرهاب أو يزيد عليه.